هل الشعب العربي وحدوي؟
مع الأسف بات اليوم هذا التساؤل مشروعاً بعدما تعرّضت له الأجيال العربية من المحيط إلى الخليج من تحريض وتغرير وتزوير وغسل دماغ.
قبل ثلاثين عاماً لم يكن أحد يجرؤ على طرح هذا السؤال، كانت نتاج حركات التحرر والاستقلال العربية والعالمية حاضرة في الوجدان وفي المناهج والكتب، حيث الرفوف والمعارض تخلو من الكتب الصفراء التي باتت اليوم تحتل مكاناً بارزاً في العقل وفي الواقع وفي الفضائيات وعند السلطات الرجعية العربية وتبحث في الأسباب والأحكام والفِرق والتفريق والمِلل والنِحل.
في ذلك الزمن كانت التجزئة والاستعمار والرجعية العربية والصهيونية طرفاً واحداً مضاداً في معركة التحرر والتقدم وبناء الدولة الوطنية العربية. هذه الدولة التي طال وسيطول مخاض ولادتها، ويكاد الوليد يكون اليوم وئيداً بسبب تقدم مفرزات التحالف الصهيوأمريكي الوهابي. لكن لا يأس أبداً، فالشعب العربي – وليس الشعوب – وحدوي تحرري تقدمي بطبيعته وبفطرته وبمصالحه التي تفرضها التحديات المعاصرة، وإن كان هذا الشعب يعيش اليوم نكوصاً مريراً بمجتمعاته، وبدولته الوطنية، وبكيانه القومي عامة.
كل البحوث واستطلاعات الرأي، والدراسات في المشرق والمغرب العربي تؤكد ذلك.
فمقابل هذا الشباب الذي يكتريه ويعتريه الإرهاب الجوال والإسلام السياسي، توجد جموع غفيرة وقوية وفاعلة من الشباب العربي المؤمن بالعيش المشترك وبالمصير وبالعروبة وبدولته الوطنية وكيانه القومي، وهذه الجموع منتشرة في الخليج وبلاد الشام وفي الأقطار العربية الأفريقية، وهي عن قريب ستجد بفطرتها وأصالتها طريق الخلاص من مفرزات هذا التحالف الأطلسي الصهيوني الوهابي.
هذا الكلام ليس منطلقه فقط وسيلة إعلام سورية، فهي صحيفة عربية عروبية، وصحيح أن الشعب السوري متميّز بتجارب وحدودية، واحدة قبل الحركة التصحيحية مع مصر، وعدة تجارب بعدها مع مصر والعراق والأردن وليبيا والسودان، وجبهة الصمود والتصدي ١٩77 – 6 دول عربية ضد كامب ديفيد السادات – لكن الفترة التي انتعشت فيها مؤسسات العمل العربي المشترك – قبل استبداد قطر والسعودية بالجامعة العربية – أثبتت أن كافة أعضاء المنظمات والاتحادات والنقابات العربية وحدويون يناضلون ضد التجزئة والتقسيم والاستعمار والصهيونية، وكانوا ومايزالون وسيبقون، وقد أكدت ذلك عدة وفود منهم زارت سورية مؤخراً.
إن العروبيين اليوم حاضرون ويزدادون قوة وحضوراً، وهم يعرفون سورية وشعبها ودورها التاريخي وقيادتها السياسية الصامدة المقاومة في وجه معترك تاريخي مصيري لابد أن تنتصر فيه وتنتصر معها العروبة بقضاياها ومصيرها وقد بيّن ذلك القائد الأسد في حواراته العديدة معهم.
إن الحديث المشرئبّ اليوم عن التجزئة والتقسيم طارئ وعارض ومأجور وفاشل، فالتقسيم والتجزئة انعزال، وهو هدف استعماري صهيوني يفقد العرب ودولهم الوطنية كل المقومات ومكونات الوجود ويجعل من «إسرائيل» القوة الحقيقية والوحيدة المهيمنة في المنطقة، ومن قال إن هذا الحديث يحمل حلاً لسفك الدم العربي والإسلامي؟ إنه استراتيجية الاستعمار والصهيونية، ولاسيما أن التقسيم والتجزئة المطروحين ليسا على أساس جغرافي، ولا سياسي، بل على أساس طائفي مذهبي إثني عرقي عشائري.
وفي الواقع فقد تقدّم هذا الحديث كطرح وكحل مع تقدُّم الإسلام السياسي الرجعي على حساب الإسلام التاريخي المحمدي المستنير، ومع ضعف وإضعاف الدولة الوطنية العربية هذه الدولة التي لم تستكمل بنيانها منذ النصف الثاني من القرن الماضي بسبب التحديات العديدة التي جابهتها من اليمين واليسار، ومختلف الاتجاهات، لكنها في الحقيقة حققت بعض الإنجازات بل العديد منها التي سيتذكرها العروبيون والوطنيون ويترحّمون عليها بأسى.
في الأزمات، ولاسيما التي نعيش، تتكشف فضائل الدولة، ومفهوم الدولة عريق في الفلسفات الغربية، ولاسيما عند هيغل، لكنه عند مثقفي الارتزاق والعمالة محارب نظرياً وعملياً، على الرغم من أن هذا المفهوم في المغرب العربي يختلف عنه في المشرق الذي هو لا شك نتاج لا يزال قلقاً للتجزئة ولسايكس بيكو.
الجميع بات الآن يدرك مدى الحاجة الماسة للدولة الوطنية القوية ضد ماهو مرسوم من مخططات للمذهب والطائفة والعرق والعشيرة والحمولة نصيب كبير فيها لتذرير المجتمع العربي وتفتيته وإضعافه أمام التحديات الكبرى وأهمها معركة المصير والصدام بين المشروعين القومي العربي والصهيوني. ولاسيما أن تقدم أدبيات الرجعية العربية اليوم أنسى البعض الصراع الطبقي وحل محله الصراع الطائفي الذي يحمل معه مزيداً من الاحتراب، وهذه حقيقة يتجاهلها مثقفو البترودولار والمطارات.
وسيكون الانتصار الناجز للشعب السوري ودولته الوطنية على قوى الظلام والتكفير والإرهاب فاتحة أمل جديد عريض وواعد في هذا الزمن الصعب.
د. عبد اللطيف عمران