الأمم المتحدة ليست قطاعاً خاصاً يستثمر للهيمنة وسفك دماء الشعوب الجعفري: أموس قدمت عرضاً مجتزأً مبنياً على مغالطات وصلت حد الفضائح
“من الفضيحة أن يتمّ وصف تنظيمات مصنفة من قبل مجلس الأمن على أنها كيانات إرهابية مرتبطة بتنظيم القاعدة بأنها جماعات معارضة مسلحة”، هذا ما أكده مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري في معرض رده على بيان وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية فاليري أموس عن الوضع الإنساني في سورية، مشدداً على أن أموس قدّمت عرضاً مجتزأ للمشهد الإنساني في سورية.
وقال الجعفري في كلمة له خلال جلسة لمجلس الأمن أمس حول تطبيق القرار 2139 المتعلق بإيصال المساعدات الإنسانية إلى سورية: لقد وجدنا في هذه الجلسة فرصة سانحة لاطلاع أعضاء المجلس وباقي أعضاء الأمم المتحدة على حقيقة الوضع الإنساني في سورية بأبعاده المختلفة إضافة إلى إظهار الفجوات والمغالطات الخطيرة الواردة في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول تنفيذ القرار 2139، والتي وصلت في بعض الأحيان إلى حد الفضائح، وأضاف: لكي لا تثير إشارتي إلى وجود فضائح في التقرير حفيظة البعض سأوضح ذلك وفقاً لما جاء في التقرير نفسه حيث يشير التقرير في الفقرة الثالثة إلى استمرار القتال بين ما سماه “جماعات المعارضة المسلحة والقوى المتطرفة”، في حين يذكر التقرير في الفقرة السابعة “اشتد الاقتتال بين جماعات المعارضة حيث احتل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام مزيداً من المواقع في شرق المحافظة”، ثم يشير التقرير في الفقرة الثانية عشرة إلى ما سماه “جماعات المعارضة المسلحة” بما فيها تنظيم “أحرار الشام” و”جبهة النصرة”.
ولفت إلى أن ذلك يمثل فعلاً فضيحة، حيث يصف تقرير رسمي صادر عن الأمين العام للأمم المتحدة تنظيمات مصنّفة من قبل مجلس الأمن على أنها كيانات إرهابية مرتبطة بتنظيم القاعدة بأنها “جماعات معارضة مسلحة” في سورية.
واعتبر الجعفري أن هذا الوصف ليس بالطبع سهواً غير مقصود، لأن الناطق الرسمي للأمين العام دأب على استخدام نفس اللغة على الرغم من توجيهنا عدة رسائل رسمية للأمانة العامة لفتنا فيها انتباهه إلى عدم جواز استخدام هذه اللغة، متسائلاً: لماذا يغفل تقرير أموس عن تسمية هذه التنظيمات باسمها الحقيقي، وهو كيانات إرهابية مرتبطة بتنظيم القاعدة، وما هي المعايير التي اعتمدتها في تصنيف هذه المجموعة بأنها معارضة مسلحة أو تلك المجموعة بأنها مجموعات متطرفة؟!، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن التقرير يعتبر على سبيل المثال “جبهة النصرة” الإرهابية من “المعارضة المسلحة” في سورية أي أنها ليست من المجموعات المتطرفة، والسؤال هنا هو: من هي المجموعات المتطرفة إذن برأي أموس.
وقال الجعفري: لقد جاء التقرير بأرقام جديدة مضخمة حول أعداد المحتاجين في سورية مقارنة بالأرقام السابقة، فقد زاد عدد المحتاجين وفقاً للتقرير ليصبح فجأة 10.8 ملايين سوري محتاج، أي بزيادة قدرها مليون ونصف مليون محتاج، كما زاد عدد الأشخاص المحتاجين في الأماكن صعبة الوصول وفقاً للتقرير أيضاً ليصبح 4.7 ملايين سوري محتاج، وذلك بزيادة قدرها 1.2 مليون مواطن سوري محتاج، مبيناً أن هذا التقرير لم يشر إلى كيفية توصله إلى هذه الأرقام المضخمة وما هي مصادره، واستهجن تجاهل التقرير لحقيقة أن السبب الرئيسي لنشوء وتفاقم الاحتياجات الإنسانية في سورية يتمثل ببروز وتصاعد ظاهرة الإرهاب حيث استهدفت المجموعات الإرهابية المسلحة المناطق المدنية الآمنة وهجرت سكانها ودمرت البنية التحتية وخربت مؤسسات الدولة الخدمية، مشدداً على أن معالجة الأزمة الإنسانية في سورية في بعض المناطق الساخنة لا تتم عبر تقديم المساعدات فقط بل لا بد من معالجة جذر المشكلة المتمثل بمكافحة الإرهاب المدعوم خارجياً.
واعتبر الجعفري أنه كان من الأجدى بمعدي التقرير توجيه أصابع الاتهام بكل وضوح إلى تلك الدول الداعمة للإرهاب في سورية بما في ذلك “إسرائيل” وقطر وتركيا والسعودية بدلاً من محاولة التشكيك طوراً بوجود إرهابيين أجانب، وتارة بنجاعة الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة السورية في التعامل مع الاحتياجات الإنسانية، لافتاً إلى أنه من المفارقات الواردة في التقرير تجاهله الإشارة إلى فرض عدد من الدول لإجراءات قسرية أحادية غير شرعية على الشعب السوري ما أثر بشكل مباشر على الوضع المعيشي للسوريين، وأكد أن بعض الدول التي تدعي حرصها على الشعب السوري اختارت للأسف صرف كميات ضخمة من أموال شعوبها على تمويل صفقات السلاح للإرهابيين وتيسير دخول المتطرفين إلى سورية لقتل السوريين بدلاً من تخصيص تلك المبالغ لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2014 التي لم يتجاوز تمويلها حتى الآن سوى 29 بالمئة مما هو مقرر.
ولفت الجعفري إلى أن الحكومة السورية سهلت جهود الأمم المتحدة في الوصول إلى العديد من المناطق صعبة الوصول في معظم مناطق سورية مثل ريف دمشق وريف حلب الشرقي والغربي وريف درعا وإدلب إضافة إلى المساعدات التي تقوم منظمة الهلال الأحمر العربي السوري بإيصالها إلى هذه المناطق، وقد أكد التقرير الدوري الأخير الصادر عن برنامج الغذاء العالمي على التحسن الكبير في الوصول إلى معظم المناطق الساخنة صعبة الوصول، مؤكداً أنه من المستهجن أن يتجاهل التقرير عرقلة السلطات التركية لإدخال مساعدات إنسانية عبر معبر نصيبين الحدودي واستخدامها معبر كسب لإدخال الإرهابيين عبره وليس المساعدات الإنسانية.
وجدد الجعفري التأكيد على أن الحكومة السورية ملتزمة بواجباتها ومسؤولياتها في تخفيف العبء الإنساني عن شعبها، واستعدادها لاتخاذ كل ما يلزم من إجراءات في سبيل تحقيق ذلك، بشرط اتساقها مع القوانين الوطنية والسيادة السورية، مشيراً بهذا الصدد إلى ترحيب الحكومة السورية بأي انخراط إيجابي للأمم المتحدة بما يخدم تحسين الوضع الإنساني في سورية، إلا أنها ترفض رفضاً قاطعاً استخدام دول بعينها لآليات الأمم المتحدة كأداة لتنفيذ أجندات سياسية ضيقة تتعارض مع مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة، كما ترفض رفضاً قاطعاً تسخير البعض لمقدرات هذه المنظمة الدولية لاستهداف دول أعضاء بعينها، وقال: إن الأمم المتحدة ملك للدول الأعضاء فيها، وسورية من بين هذه الدول الأعضاء المؤسسة، مؤكداً أن الأمم المتحدة ليست قطاعاً خاصاً يستثمره أصحاب النفوذ والأقوياء للهيمنة وسفك دماء الشعوب.