ثقافة

“قصةُ أرابيدوبسيس تاليانا” في مجمع اللغة العربية

يترددُ كثيراً في المحافلِ العلميةِ اسمُ نبات معروف بـ “أرابيدوبسيس تاليانا” فما هو هذا النبات، ولماذا اُخْتِيرَ في مخابرِ علوم التقانة البيولوجيةْ، وهو الذي لم يدخلِ اُسْمُه بعدُ في سجلاتِ الهيئةِ العامةِ للتقانة الحيويةِ السورية؟ حول هذا كانت محاضرة الدكتور أنور الخطيب عضو مجمع اللغة العربية بدمشق، والتي ابتدأها بشرح بسيط عن هذا النبات فقال: إنه نباتٌ زهريٌّ صغيرْ، حوليٌّ قصيرُ الأجل ينجزُ دورةَ حياتهِ في مدةٍ قصيرةٍ لا تتجاوزُ ستةَ أسابيع. انطلقتْ شعبيتُهُ كونه أفضلَ نباتٍ لفهمِ حركيةِ الجزيئات الممثِّلة للبيولوجيا الجزيئية وأول ما جُمِع هذا النباتُ في القرنِ السادسَ عَشَرْ من جبالِ هارز في ألمانيا من قَبِلِ طبيبٍ ألمانيّ يدعى تال، وفي القرنِ الثامنَ عَشَرْ سماه كارل لينيوس (ارابيس تاليا)  تكريماً لتال ولافتًا نظرَ الغربِ إلى مكانةِ العربِ في ذلكَ التاريخْ، إلى أن وصل في القرنِ التاسعَ عشر إلى اسمه الحالي أرابيدوبسيس تاليانا، وفي عام 1951 في جولة نباتية في جبلِ العربِ بإشرافِ الفرنسي هنري بابو، جَمَعتُ عَيِّناتٍ من هذا النبات وحفظْتُها في مَعْشَبي في كلية العلوم بجامعة دمشق.
التسمية العربية
وأشار الخطيب إلى مجموعة تسمياته المتناقلة في اللغات الأجنبية ومنها رشادُ أُذُنِ الفأرْ ورشاد الصخور في الإنكليزية وعشبة المروج وعربة الراهبات في الفرنسية، أما التسمية العلمية العربية فتقضي الموضوعيةُ العلميةُ العربيةُ أن يُعَرَّبَ اسمُ الجنسِ العَلَمُ بتحويلِ الكلمةِ الأجنبيةِ إلى كلمةٍ عربيةٍ دونَ اللجوءِ إلى ترجمتِها، وعلى الرغم من قُوةِ العربية في التعريبْ ورَحابةِ صدرِها لكلِّ مفهومٍ غريبٍ جديد وجَعْلِهِ في صُلْبِ أوزانِها وتكوينِها إلا أن  مجمع القاهرة ودمشق فضلوا الترجمةَ على التعريبِ في أسماءِ الأجناسِ النباتية.
فكر عالمياً وأعمل محلياً
كما أضاف الخطيب: لذلك يقضي الخضوعُ لقراراتِ مجامعِ اللغةِ العربيةِ بترجمةِ تسميةِ الجنسِ وأنا أتركُ الأمرَ للجنةِ ألفاظِ الحضارةِ في مجامعِ اللغةِ العربية لِتَضَعَ التسميةَ المناسبةَ التي تُبعدُ اللغةَ العربيةَ عن الزلل، خاصة أن التسمية العالمية الموحَّدة أصبحت فِرَقًا وطَوائفَ عندما تُرجمتْ ترجمةَ ولم تُعرَّب. وتساءل عن سبب الخوف من تعريب المستجد العالمي بدلَ ترجمته؟ فهنالك فرق كبير بين التعريب والترجمة لا يدركه كثيرون، وبما أن حب العربية فوق كل حب فليس لديَّ لسان آخر يُفصح عما في نفسي أفصح منها ولو تعلمتُ جميعَ لغاتِ العالم ومرجعي في ذلك  الحكمةَ القائلة: فَكِّرْ عالميًّا واعْمَلْ مَحَليّاً.
قيمة بيولوجية
وفيما يخص تاريخُ استعمالِ الأرابيدوبسيس تاليانا كنبات نموذج أوضح الخطيب أنه بدأ علماءُ النباتِ جمعَ طفراتِ هذا النوعِ من جميعِ أنحاء العالم في وقت مُبَكِّر لاستعمالها في دراسات الوراثة وأثرِ البيئةِ، وذلكَ لِدعمِ تجاربِ العالَمِ الحيواني وفي عامِ 1907 اقتُرِح نباتًا نموذجاً وفي 1950 اعتُمِدَ كائناً مفيداً في التجارب المخبرية، وفي 1965 عُقِدَ المؤتمرُ الدوليُّ الأولُ لنباتِ الأرابيدوبسيس في ألمانيا، وفي 1986 أصبحَ النموذجَ المفَضَّل على جميع النباتات والحيواناتِ في التجارب البيولوجية.
وكونه يتمتع بقيمة بيولوجية كبيرة أكد الخطيب أن هذا النباتُ الصغيرُ أدخل العلومَ البيولوجيةَ في عصورٍ رَحبةٍ واسعةْ ممثلة بـعصرِ علومِ تكوينِ الجينوم وتكوينِ البروتين، وعصرِ علومِ فهمِ طرائقِ عملياتِ الاستقلاب ونوه إلى أن معرفةَ التركيبِ الكيميائي للمكوناتِ الوراثيةِ النباتية أهمُّ مِن معرفةِ التركيبِ الكيميائي للمكوناتِ الوراثيةِ الإنسانيةْ وذلك لأنَّ النباتَ أساسُ بناءِ النظامِ البيئيِ في العالمِ أجمع.
دور في الهندسة الوراثية
يقدَّر عددُ النباتاتِ المعروفةِ في العالم بقُرابةِ 450 ألف نوع، ويعدُّ الأرابيدوبسيس التالياني مَرجعًا لكل الأنواع النباتية الأخرى فهو الأنسبُ لبحوثِ الهندسةِ الوراثيةِ التي أَدخلتْهُ التاريخ للأمور التالية – كما ذكر الخطيب– وهي أن عدد المواضيع التي نشرت حوله والصور الفوتوغرافية التي سجلتها البحوث العلمية كبير جداً، وأقيم لهذا النبات 26 مؤتمراً وعقدت له ندوة خاصة فضلاً عن المواقع الخاصة بهذا النبات على شبكة الانترنت، كما أنه واعتماداً على المعلومات التي قدمها هذا النبات، سيصبحُ في إمكانِ الباحثينَ إنتاجُ محاصيلَ معدَّلةِ التكوينِ الوراثي ومواد بلاستيكية عالية الجودة وكذلك يعتبر رائدَ التجاربِ المخبرية واستُعمل نموذجاً في الوراثةِ وتكوين الأجنةِ والتقانةِ الحيويةِ النباتية والأغراض البحثية. وكَشَفتْ دراساتُ الهندسةِ الوراثيةِ أن هناك مجموعة وظائف يقوم هذا الجينوم بعملها كتنظيم الاستقلاب وعمليات النقل والنسخ، كما وأمكن الحُصول على ضروبٍ من الأرابيدوبسيس قادرةٍ على صنعِ أصبغةِ كاشفِة للموادِّ المنبعثةِ من زراعةِ الألغام هذا بالإضافة إلى أن عالَم النباتِ يتحكم في أمراضِ سُوءِ التغذية، ويُفيد في صحةِ الإنسان حيث توجد مئةُ جينة مرتبطةٍ بأمراضٍ جينيةٍ إنسانية مثل العمى الوراثي، والسرطاناتِ وغير ذلك.
كما وعرض الدكتور الخطيب لبعض نماذج البحوث حول هذا النبات مثل تكوين بروتينات الصدمة الحرارية والانتحاءُ الضوئي والتلقيح الذاتي وكذلك مراكز تقديم المعلومات عنه.
لوردا فوزي