ثقافة

هواجس ” قصيدة النَّثْر ” وتجلياتها ..؟!

* قصيدةُ النّثر، هي إثارةٌ، صدْمةٌ، إِدْهاشٌ، إِلهامٌ، وضَخُّ شِعريَّةِ القصيدةِ، محمولةُ المفردة في إِشعاعاتها، وطاقتها الاسْتثنائيّةِ، وقْتَها تُشَكِّل القصيدةُ، وتشتغِلُ على الومضةِ، حيثُ تجد فيها فلسفةَ الحياةِ، وشطحاتِ الصُّوفيين، وهذياناتِ السَّرياليين، وأحلامِ الرّومانسيين وحكمة المعرِّي، وغنائيات شعراء “التُّروبادور” وانهماكِ الغَجَرِ، حين يصير البدرُ تمامَهُ! غاسلاً وجْههُ في احْتضاراتِ اللّيالي الشّاتية!
* قصيدةُ النّثرِ، هي شغبُ الكتابةِ الموغِلِ في أرخبيلاتِ الذّاكرةِ، ودَهاليز الذّاتِ، وهجْسُ الحنينِ الخائنِ يتلمّس خباياها المخبوءةِ ما بين الغفْلَةِ والصّحوةِ، عاشِقَةٌ لِفضاءاتٍ داهشةٍ، أبوابها مشرعةٌ، على مدارات التّأمُّلِ في جمالياتِ الكون، والحياةِ، والاحتراقِ بشهيّةِ الجوعان إلى “شدُّوقٍ” من رغيف تَّنورٍ يصطلي بجمر الانتظار والقلق؟! تراتيل للحياةِ المضيئةِ بفوانيس الرّعشةِ، وقناديل الدّهشة!
* قصيدةُ النّثر، صرخةٌ موجعةٌ بالانتشاء الشّهوي، في دروب الفن والكون والحياة، وكلامٌ غيرُ “عاديً و مألوفٍ” يُرّمِّمُ ماتبقَّى، وتجاسر على البقاء، مِن ذكرياتٍ، وآلامٍ، وشقاوات الطفولةِ، قصيدةٌ “ملعونةٌ” تدفعُك إلى التّساؤلِ الدّائم، وتَزحَمُكَ إلى اللُّجوءِ، والتّهجير بين منافي ومتاهات الكلام وعذريّةِ مشاتل الألفاظ، وتوهُّجِ النِّقاط، واشتعال الفواصلِ، وانْحيازٌ إلى الفتنةِ، والانتِماء للقصيدةِ –الأتمِّ- وعملاً مُلِحاً ومِلحاحاً لاكتشافِ أعماقِ كينونتها الإبداعيّة /البادعة؟!
* قصيدةُ النَّثرِ، هي شاعرةٌ مُدجَّجةٌ بِبهاءِ الشّاعِريَّةِ، وسُرادقِ الغيَّابِ، تُلملمُ شظايا مُتخيّلها المنسيَّة المركونَ في “الفوضى الخلّاقة” كما يقولون في فجوات الحياة، وعلى شُرفات الكونِ وصحارى اللّغةِ الّتي عاشت زمناً طويلاً تحت “قراميدِ” المعاني مُنتشيةً بعزلتها، لتصافح بعناقٍ حميمي نداء الدّاخلي “الذّات” بحرارةٍ مرهونةٍ بوعْيٍ شعريٍّ، وإحساسٍ جماليٍّ عميق؟! وتُعلن انتسابها أي قصيدة “النّثر” إلى فِخاخِ اللُّغة، ومكائد المعنى بِأناقةٍ قاسيةٍ، شافّةً وشفّافةٌ كدمعة طفل؟!
* قيل لِأَعرابيٍّ: ما بالُ المراثي، أجودَ أشعارِكم؟! قال: لِأنّنا نقولُ وأكبادُنا تحترقُ! وتبقى القصيدة حُلُم شاعِرنا، ولكن الحلُمُ القابل للتّأويل، والقصيدةُ نَصٌّ هاذٍ، والهذيان قابلٌ للتّأويل، فلنبحث وراء التّجاوز عن البُنيةِ الضُّمنيّةِ للقصيدة التي تقوم على الإيقاع، والإيقاعُ نابعٌ من الدّواخل، فهو ابْتكارٌ، يتطلّب استخدامه، قوّةً وبراعةً وموهبةً وشفافيّةً أكثر مما يتطلّب استخدام الوزن. والصورةُ الشّعريّةُ، هي إحدى الأُسس في الأسرةِ الإبداعيّةِ، والطّاقاتِ الجماليّةِ في عمليّةِ الخلْقِ الشعري، وهي روح وريحانُ الشّعر وأنفاسه المتلاحقةِ التي تبوحُ بمكنونات دواخلهِ، من خلال النّصّ المعني والمراد به!.
هي ركن أي “الصّورة” أساسيٌّ في استنهاض النّصّ الشّعريّ، وهي الملْمح الأُسلوبي الذّي يتمنّى به شاعرٌ آخر، والشّاعرُ بهذا قد يُحدِثُ صَدمةً، ودهشةً، وذهولاً لدى المتلقّي في آن واحدٍ، وذلك من خلال الصّورة المبدعة، والجديدة، وهذا أوّل ما يُلفِتُ القارئ ويُنبِّهُ أذن المتابع والمثابر على القراءات الشاعرة وخصوصاً إذا كانت هذه الصّورة مبتكرةٌ وغير متداولة، فـ”الصّورة”  مظهرٌ من مظاهرِ خُصوصيّات الشّاعر الفنيّة، وهي تُحَدّدُ قُدرَتهُ على الخلْق والإبداعِ /الابتكار، هي وسيلتهُ وغايتهُ في تكوين تَجربته الشّعريّة / النّصيّة.
لذلك اعتمدَ شعراء السّبعينيات، وركّزوا على “الصّورة المثيرة” والتي تعمل على إثارةِ الدّهشة،  ورفع حالة التّصادم، والمفاجأة. ومن لوازم قصيدة النّثر الاعتماد على الإيقاع  النّابع من الذّات فهو ابتكارٌ، ويتطلّب استخدامه قوّةً، وبراعةً وموهبةً أكثر ممّا يتطلّب استخدام الوزن، لذلك نجد الشاعر  نزار قبّاني مثلاً كان وظلَّ وَفيّاً مع جُمهورِه، وذلك من قصائده الغِنائيّة؟!.
قال الأديب  سيف المري رئيس تحرير مجلة “دُبي الثّقافيّة” حول قصيدة النّثر ما معناه: “مازالت أدْخِنَةُ معاركها تتصاعد في سماء الفضاء الشّعريّ، الممتدُّ ما بين الأزرقين”.
لِمَ لا تأخذ مِن قلبي ماءه/ وتغيب/ غيابك مفتاحُ بكائي/ كلما اشتقتُكَ/ فتحتُ نوافذَ صدري لِأراكَ/ غائباً في الروح مادمتَ/ حاضراً في الهوى/ يا سيَّد الغيّاب يا قلبي/ للشاعرة الإماراتية “خلود المعلا”.
الشُّعراء يختلفون فيما بينهم، لغةً وعوالمَ وأساليب وحساسيّاتٍ و..! فالغموضُ مسالةٌ أساسيّةٌ في بنيةِ الشّعرِ والشّعرُ الواضحُ لا يختلف عن المقالةِ الصّحفيّةِ، فالمرادُ من الغموض هو “التّضمينيّة”، والإيحائيّةِ، نعني من هذا، وجودُ بنيتهِ العميقةِ التي تقابل السّطحيّةَ، ونعني أنَّ القصيدة يجب أن تكون نصَّاً مفتوحاً، يقبلُ احتمالَ التّأويل، وكذلك قراءات عدّة، وهي إِعادة إنتاجٍ يقومُ به القارئ وهذا ما نقصده، إنَّ الغموضَ جزءٌ لا بدَّ، ولا بديلَ عنه في مكوَّن الشِّعر، ليس رديفاً، كما يتشدَّقُ به البعضُ، مِن أنَّ “المعنى في قَلْبِ الشَّاعرِ” هذا ما قاله الدكتور رضوان قضماني .. وقالوا:
“الفلسفة الوجوديَّةُ هي فِكرةُ التّجاوز، وتعني خروجُ المرءِ عن ذاتِهِ”.
إنَّ النُقَّاد لا يرون من الرّوائيّاتِ، والشّاعراتِ إلّا جمالهن، يرفعون من مستوى شكل الكاتبة، ويهملون نصَّها!.
الإبداع، جمالٌ لا جنْسَ له.. الاعتمادُ على التّلميح لا التّصريح، والاهْتمام بالصُّورةِ الشعريّةِ مثلاً: / سأملأُ جرَّتي بِنَدى الصّباح! /
“بحيراتٌ في جسدِ اللّغةِ، كي تسبح بين أمواجها المُخيّلة”
“التّاريخُ كمثلِ غزالةٍ حُبلى، تتقلَّبُ في سرير الرّمالْ” مثلاً / متى يتوقَّفُ العمرُ عنِ النُّباحْ؟! الإنسانُ حُرِّيةٌ أو لا شيء.

khudaralakari@hotmail.com
خضر عكاري