الرقابة الرمضانية لـ”المنافسة ومنع الاحتكار” في أسواق طرطوس واللاذقية مفارقة في المؤشرات السوقية بين وفرة السلع وجمود الطلب.. وبين انخفاض الأسعار وارتفاعها وتشميل الخضار بالدعم
تنفيذاً لخطة عملها في مراقبة الأسواق وخاصة خلال شهر رمضان، قامت الهيئة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار بتشكيل مجموعات رقابية لرصد واقع الأسواق وسبر ومراقبة تدفق المواد إليها والاطلاع على الممارسات القائمة ومدى توافقها مع قانونها.
الأسواق الرئيسية في محافظتي طرطوس واللاذقية كانت المحطة للجولات الرقابية، ففي الأولى، أكدت الهيئة استناداً إلى تقارير ضابطاتها العدلية، أن كل المواد الأساسية متوافرة في الأسواق وبكميات كبيرة تفوق الطلب وتعدّد البدائل لكل مادة، لكن هذا قابله جمود حركة التداول في الأسواق، فعمليات البيع والشراء محدودة وضعيفة.
كما تبيّن أن هناك انخفاضاً كبيراً في أسعار الخضار والفواكه وبعضها أسعار جملتها أقل من التكلفة كالبندورة والخيار والباذنجان.. إلخ، بينما المواد الأساسية (رز وزيت ومعلبات.. إلخ) التي تدخل ضمن الإعانات الموزعة، فأسعار تداولها في الأسواق غير واقعية أو حقيقية، بسبب وفرة عرضها ما يضغط باتجاه خفض أسعارها.
وفيما يخص صناعة الدواجن تبيّن ارتفاع تكاليف المواد الأولية اللازمة على المنتجين (الأعلاف الأدوية .. إلخ)، رغم تمويل الأعلاف بالقطع الأجنبي من الحكومة، إلا أن تداولها يتم وفق أسعار تداول القطع الأجنبي وليس بسعر التمويل، ونتيجة لذلك نشط دور المموّلين للمنتجين وبعضهم هو من يقوم بتسويق المنتج وشحن الفائض من إنتاج المحافظة إلى دمشق.
بينما تبيّن للدوريات الرقابية أن تداول السلع والمواد الأساسية -المحدد معظمها بهامش الربح والسعر- تباع بأقل من التسعيرة المحددة، ولعل هذا انعكس على المنافسة التي بدت نشطة في الأسواق نتيجة الوفرة وضعف حركة الشراء، وما زاد منها هو دخول مورّدين جدد للسوق بشكل فاعل، وافدين من محافظات أخرى.
وبالانتقال إلى أسواق محافظة اللاذقية لا يختلف الأمر، من حيث توفر المواد والسلع، ولاسيما الأساسية منها والعرض يفوق الطلب، وتوفر البدائل وتعدّدها باستمرار، ما أدّى أيضاً إلى انخفاض الطلب على المواد وبالتالي إلى جمود حركة البيع والشراء.
أما بالنسبة لأسعار تداول المواد الأساسية فغير واقعية ولا تعبّر عن حالة الأسواق، ولا يمكن تقييم الأسعار بشكل حقيقي بسبب المعونات التي توزع، وهي تغطي جزءاً من الطلب في الأسواق، حيث يتم بيعها بأسعار منخفضة ما يؤدي إلى الضغط على الأسعار وتخفيضها، وهذا ما أدى إلى عزوف بعض التجار (الجملة ونصف الجملة) عن التعامل مع هذه المواد (السكر والرز والزيت.. إلخ).
مفارقة غريبة..!
ورغم هذا لم يزدد الطلب في الأسواق (كما هي العادة) على المواد الأساسية، مع أن الأسعار بقيت كما هي دون ارتفاع منذ نحو ثلاثة أشهر، وتتوقع الهيئة أنه في حال ازدياد حركة الطلب بداية شهر رمضان وارتفاع الأسعار قليلاً، أنها ستكون لمدة 5-6 أيام لتعود وتنخفض نتيجة وفرة العرض والمنافسة، علماً أنه –وخلال الجولات- يتم تداول جميع السلع والمواد الأساسية المسعّرة بأسعار أقل من التسعيرة الموضوعة لها.
أما الملاحظة التي لمسها المراقبون (قبل يومين من تاريخ الجولات واستمرت طوال فترة وجودهم بالمحافظة)، فهي الانخفاض بأسعار الخضار بنسبة وصلت إلى 100%، رغم التأثير الكبير لأجور النقل (تكاليف أجور النقل 4-10 ل.س/كغ حسب الكمية والمسافة) على تكاليف الخضار وأسعار بيعها، ويظهر ذلك حتى ضمن المنطقة الجغرافية الواحدة، فمثلاً أسعار الخضار في أسواق الهال داخل مدينة جبلة تختلف عن مثيلتها في سوق الهال خارج مدينة جبلة (السوق الموازي لطريق طرطوس – اللاذقية) فالخضار المنتجة في المحافظة هي أرخص في السوق خارج جبلة عنها في السوق داخلها، أما الواردة من خارج المحافظة فإن أسعارها في السوق داخل جبلة أخفض منها في السوق خارجها، وهذا بسبب أجور النقل.
مفارقة أخرى بيّنت أن هناك اكتفاء ذاتياً بمادة الفروج ويورّد الفائض منها إلى دمشق، وهذا التوريد يؤدّي إلى خفض العرض داخل المحافظة وإلى رفع الأسعار ومنع انخفاضها بشكل عنيد، ما أدّى إلى توقع ارتفاع أسعارها خلال شهر رمضان.
أما الجديد فتمثل في عودة توريد الأعلاف إلى إدلب والمعرة من تجار الأعلاف في المحافظة -بعد انقطاع سنتين- وهذا يعني انطلاق العمل مجدداً ودخول مورّدين سابقين أو جدد إلى السوق، ما سينعكس لاحقاً على زيادة العرض وبالتالي انخفاض الأسعار.
مؤشرات الأسواق المستهدفة
وحسب النتائج التي خرجت بها الجولات تبيّن أن كل المواد والسلع متوفرة في الأسواق والعرض يفوق الطلب، إلى جانب تعدّد البدائل وتوفرها باستمرار، يوازي ذلك انكماش الطلب وضعف حركة البيع والشراء في الأسواق عموماً.
كما تبين أن انخفاض أسعار السلع والمواد الأساسية مردّه إلى: ثبات سعر صرف الليرة السورية مقابل القطع الأجنبي لفترة طويلة، وضعف القدرة الشرائية للمستهلك وبالتالي انخفاض الطلب والضغط باتجاه خفض الأسعار، إضافة إلى أن الأسعار الحالية في الأسواق -للمواد التي توزع كمعونات- ليست واقعية ولا تخضع لآليات السوق، فالتكلفة للكثير منها تساوي أو تزيد على الأسعار الرائجة حالياً، وذلك بسبب المعونات التي توزع ما يخفض الطلب من جهة، وبيعها بأسعار منخفضة لتـأمين السيولة المالية، الأمر الذي يؤدّي إلى خفض أسعارها من جهة أخرى، وأخيراً: الجمود وضعف حركة الطلب مقابل العرض أدّيا إلى الضغط باتجاه خفض الأسعار.
ومع كل هذا يسجّل دخول مورّدين جدد إلى الأسواق نتيجة تحسّن الأوضاع العامة يقومون بتأمين المواد المطلوبة بالأسواق أو بدائلها، ما زاد من المنافسة والضغط على الأسعار، رغم خروج عدد من المحافظات والمناطق من الطلب على المواد (المنطقة الشرقية وإدلب وشمال حلب…)، ما أدّى بدوره إلى انخفاض الطلب وعدم القدرة على تحديد الكميات المطلوبة واقعياً.
كما يلاحظ حسب الهيئة أن العامل النفسي الناجم عن تحسن الأوضاع مع انخفاض الأسعار، دفع إلى الترقب بانفراج أفضل وانخفاض أكبر للأسعار الأمر الذي حدّ من الطلب.
أرضت وخسَّرت
انخفاض أسعار الخضار بنسبة كبيرة وصلت إلى 100% خلال فترة زمنية قصيرة (7 -10) أيام، مردّه إلى (توقف التصدير والشحن إلى العراق بسبب الظروف الأمنية الطارئة لديه ما زاد بشكل كبير من العرض في الأسواق مقارنة مع الطلب، وزيادة الإنتاج بسبب ارتفاع درجات الحرارة ما أدى إلى زيادة الكميات المعروضة أيضاً، وكذلك دخول الموسم الزراعي للمنطقتين الوسطى والجنوبية في الإنتاج والتوريد للأسواق ما زاد من العرض).
الهيئة توقّعت أن استمرار الوضع على ما هو عليه سيؤدّي إلى توفر الخضار في شهر رمضان بأسعار منخفضة لا توازي التكلفة، وهو ما يرضي المستهلك، ولكنه سيلحق بالمنتج خسائر واضحة وسيخرجه لاحقاً من السوق، أما إذا عاد إلى التصدير فإنه من المتوقع ارتفاع أسعارها بشكل واضح.
لا منافسة بالأعلاف
ما زال العرض من مادة الفروج لا يوازي الطلب، ولكن الملاحظ بدء عودة نشاط المنتجين الذي تظهره زيادة الطلب على المادة العلفية وطلبها في مناطق كانت متوقفة سابقاً عن الإنتاج (إدلب، وحمص)، ومن المتوقع في حال ثبات أسعار الصرف انخفاض أسعار مادة الفروج بعد حوالي شهرين نتيجة زيادة العرض.
ارتفاع تكاليف المواد الأولية اللازمة للأعلاف والزراعة (بذار وأدوية وأسمدة) بسبب ارتفاع أسعار الصرف سابقاً قبل استقرارها وعدم توفر المنافسة النشطة في هذا المجال، ولاسيما في المبيدات والأسمدة وفق ما بيّنته مديرية الرقابة الاقتصادية في مذكرتها المرفوعة إلى مجلس المنافسة مؤخراً وأوردت فيها مقترحات لتفعيل المنافسة بهذا القطاع.
انخفاض هوامش الربح لأغلب السلع والمواد في الأسواق واقترابها من التكلفة (باستثناء التي توزّع منها معونات) ويظهر ويؤكد ذلك عدم وجود العروض للمستهلك بمناسبة شهر رمضان، وفي حال وجودها فإنها تقتصر على بائعي المفرق (عرض مقابل الكمية المستجرّة) وليست للمستهلك.
زوال حلقة
لوحظ زوال حلقة وساطة في الأسواق وهي تاجر الجملة بسبب قيام المورّدين للسوق (مستورد، ومنتج) بالتوزيع وتأمين حاجة تاجر نصف الجملة (الذي كان تاجر جملة سابقاً) ليقوم بتأمين حاجة بائعي المفرق، وذلك بسبب الظروف والعوامل التي ذكرناها أعلاه والتي أدّت إلى انخفاض الأسعار ومعها نسب الأرباح ما دفعهم إلى اختصار حلقة وساطة (تاجر جملة) وأخذ دوره كوسيلة للحدّ من الضغط على هوامش الربح.
وخلصت إلى أن المنافسة نشطة في سوق السلع والمواد الأساسية تعززها زيادة العرض والجمود وانخفاض الطلب، ولم يتم رصد ممارسات مخلّة بالمنافسة.
في حال..
الهيئة رأت أنه في حال استمرار تدني أسعار الخضار عمّا هي عليه لفترة طويلة، فإننا سنرى تشميل الخضار المنتجة بصندوق الدعم الزراعي، وذلك تخفيفاً للخسائر المترتبة على المنتجين لضمان عدم خروجهم من الإنتاج، مؤكدة أنها ستقوم بمتابعة التوصيات مع الجهات المعنية لتجاوزها.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com