اقتصادتتمات الاولى

طاقتا الحياة والاقتصاد.. متلازمة مشاريع التوليد المشترك للمياه والكهرباء لا تحتمل التمهّل متطلبات النمو السكاني والتنمية الاقتصادية والتحدي المائي تسقط محظورات الجدوى الاقتصادية عنها

ألم يحِن الوقت بعد للبتّ في إحدى القضايا المصيرية..؟!، هنا لعلنا لا نغالي إن جعلناها تحظى بالصدارة، مطلباً وحاجة وموقعاً اليوم وليس غداً ومستقبلاً، إنها المشكلة الأقسى والأصعب برأينا، لكونها كانت وستكون محطّ صراع وحروب قادمة حولها كما “بشّرنا” المتشائمون.
المياه علّة كل شيء حي.. وها هي الوقائع والمؤشرات تؤكد ما سبق -ومن سنين طوال- إعداده من دراسات مائية ومؤتمرات دولية حذّرت ونبّهت من القادمات التي ستحيق بمنطقتنا نتيجة شحّ المياه وأسبابه المتعددة..

مشاريع استباقية
وعلى الرغم من أن القضية حقيقة واقعة، إلاّ أننا وعلى الصعيد المحلي الوطني لم نلحظ شيئاً يذكر من مشاريع استباقية، تنجينا من المحظور في حال الحضور للسيناريو المشؤوم، حتى لو على مستوى الإدارة المائية لمواردنا المتراجعة عاماً بعد الآخر، وهنا نذكر علّ الذكرى تنعش العقول وتحرّك أصحاب القرار والاستراتيجية، بما تم عقده منذ أعوام عديدة في قاعة رضا سعيد بجامعة دمشق بالتعاون مع المنظمات الدولية المعنية حول ضرورة “الإدارة الرشيدة للطلب على مياهنا”، كان هذا قبل الحرب الكونية على سورية، حيث كان لمواردنا المائية النصيب الخطير من استهداف الإرهاب العالمي لبناها التحتية وما زاده شحّ الهطل وتراجع مناسيب السدود والمياه الجوفية حتى في مناطق الاستقرار الأولى والثانية..

سلحفاة مائية
إذاً هي قضية قديمة، أما المستجد وليس الجديد فيها، فهو المشاريع التي كنا نؤجّلها لعدم جدواها الاقتصادية، إلاّ أن تلك الجدوى اليوم سقطت من الحسابات أو يجب غض الطرف عنها، نظراً لأن الأخطار أضحت محدقة، وأصبحنا شئنا أم أبينا أمام “الضرورات التي تبيح المحظورات”، علماً أن المحظورات في مواقع أخرى تستنزف خزينتنا العامة..
لن نتوقف عند ذلك، لكننا سنتابع لنستشهد بما يقوله خبراؤنا وأوله: نظراً لأن تحلية مياه البحر تتطلب تكاليف استثمارية عالية، واستخدام المزيد من الوقود الأحفوري للتحلية، لذا لا بد من دراسة موضوع التوليد المشترك للكهرباء والماء، إضافة إلى التوجه نحو استخدام المركزات الكهروشمسية لتحلية المياه وتوليد الكهرباء.

متلازمة النجاة
ولكون الماء طاقة حياة والكهرباء طاقة اقتصاد، ونظراً للتشابك التنموي بين الطلب على المياه ومختلف حوامل الطاقة، ومنها الكهرباء، وهذا أحد التحديات المستقبلية التي بدأت مؤشراتها، كان الاقتراح -وتحت عنوان “الطلب على المياه لتوليد الكهرباء لغاية عام 2030 “- إيلاء هذا الموضوع الأهمية القصوى، وإعداد دراسة استراتيجية كمخطط عام للمياه في سورية، تبيّن سبل توفير الموارد المائية وفرص الترشيد ورفع كفاءة المياه بالتعاون مع مختلف الوزارات وكليات الهندسة المائية.
ولكي تكون النتائج متكاملة على تلك الجهات القيام بحملات توعية مركزة وإعادة النظر بتسعير المياه حيث تعكس التكاليف المستقبلية، وقبل هذا وذاك ضرورة إعداد الكوادر والفرق المتخصصة بمثل هذه الدراسات، وإحداث مؤسسة لتحلية المياه، تسند إليها مسؤولية ومهمّة التحول والأخذ بالاعتبار التوليد المشترك للمياه والكهرباء عند بناء محطات التوليد التقليدية.
ومن المقترحات التي طرحت أيضاً، تنفيذ عدد من قنوات الري ونقل المياه من المنطقة الساحلية وبحيرة الأسد على الفرات إلى المنطقة الجنوبية، وكذلك إعداد دراسة الجدوى الاقتصادية لمحطة مركزات شمسية لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر.

متى نبدأ وكيف؟
مقترحات تفرض نفسها وبشكل عاجل، والسؤال الذي يطرحه المختصون والعالمون بالقادم من التحديات هو: متى سنبدأ بعمل ذلك؟.
وللسؤال ما يدعمه من مؤشرات رقمية لا تجمل ولا تجامل، فقد وصل استهلاك محطات توليد الكهرباء في سورية إلى 70.80 مليون متر مكعب عام 2011، والمتوقع أن يرتفع الرقم في عام 2030 ليصل إلى 217 مليون متر مكعب سنوياً، وعليه فإن إنشاء محطات توليد الكهرباء وتحديد مواقعها يرتبط بإمكانية تأمين المياه اللازمة لهذه المحطات، وهذا ما سيجعل الساحل السوري منطقة الجذب الرئيسة لمشاريع الطاقة، سواء أكانت لتوليد كهرباء أم لتحلية مياه والاستفادة من تقنية التحلية بتوليد الكهرباء وبالعكس، أما البديل للمنطقة الساحلية فهو المنطقة الوسطى، إذ يمكن إقامة تجمع لمشاريع التوليد يضم عدّة محطات توليد وجرّ مياه البحر لهذا المجمّع لتحقيق معادلة التوليد المشترك للمياه والكهرباء.‏

إذا لم..
مشاريع لا يمكن التمهّل فيها، فسورية المصنّفة ضمن البلدان شبه القاحلة قد يتغيّر تصنيفها إلى بلد يعاني إجهاداً مائياً معتدلاً، وقد تصنّف قريباً بلداً فيه إجهاد مائي حاد، في حال استمرّ نموّها السكاني بالوتيرة الحالية 2.4% سنوياً ولم ترتفع فعالية استخدام المياه بشكل فاعل، إذ لا تتجاوز حصة إنسانها من المياه حالياً 667م3 سنوياً، استناداً إلى أن مجموع مواردها المائية المتجدّدة يقدّر بـ16 مليون م3 سنوياً وهو أقل من مؤشر ندرة المياه البالغ ألف م3 للفرد.

ساعة لا ينفع
إن موضوع استرداد المياه العادمة وتحلية مياه البحر والمياه شبه المالحة وحصاد الأمطار، مشاريع تفرضها اليوم التغيّرات المناخية ومعدّل التزايد السكاني في سورية على قائمة الأولويات والمشاريع المستحقة التي لا تحتمل التأجيل، وخير البداية في مواجهة زيادة الطلب على المياه بترشيد استهلاكها وحسن استخدامها واستصدار قوانين للمياه تتواكب مع ضرورات مواجهة استحقاقات اليوم وتحديات المستقبل، فالبلدان العربية تستحوذ على نحو 50% من إجمالي طاقة إنتاج تحلية المياه عالمياً، وهذا في حدّ ذاته مؤشر يستدعي التحرّك لاتخاذ خطوات عملية، وإلاّ فسنندم ساعة لا ينفع الندم. ‏
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com