بين قوسين الأولوية للزراعة؟!
مضى أكثر من عشر سنوات قبل أن نسمع من أي رئيس للحكومة عبارة: الأولوية للزراعة! ولم يقتصر الأمر على القول فقط، وإنما اقترن بالفعل أيضاً من خلال توقيع الاتفاق السوري الروسي لإنجاز مشروع إرواء أكثر من 210 آلاف هكتار على نهر دجلة.
ولا نبالغ إذا ما قلنا: إن نتائج التخلي عن استراتيجية “الأولوية للزراعة” كانت كارثية على الاقتصاد الوطني، نحصد نتائجها المريرة منذ أكثر من ثلاث سنوات!، وكانت سورية بعد تعرضها لحصار اقتصادي من الغرب الاستعماري منذ ثمانينات القرن الماضي رفعت هذا الشعار، وقد أثمر تطبيقه تحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الأساسية وفائض للتصدير. وكانت الاعتمادات المرصودة لتطبيق “الأولوية للزراعة” لا تقل عن 12 مليار ليرة سنوياً، أي ما يوازي 3 مليارات دولار آنذاك، وهذا المبلغ الضخم وفر الأمن والاستقرار الاجتماعي لملايين السوريين في الريف، وخاصة في المحافظات الشمالية الشرقية.
ولكن.. فجأة تغيّر كل شيء خلال السنوات “2003 – 2010” بعدما حرفت حكومة المهندس محمد ناجي عطري البوصلة باتجاه الاقتصاد الريعي اللامنتج الذي يهمّش قطاعي الزراعة والصناعة!، وإذا كان تراجع الإنتاج الزراعي يتعلق بالجفاف فقط كما قيل مراراً وتكراراً.. فإن السؤال: كيف واجهت حكومة عطري الجفاف الذي يعصف بالمنطقة وليس بسورية فقط؟.
الحكومات السابقة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي واجهت الجفاف الذي تعاني منه سورية باستصلاح الأراضي وبناء السدود وشبكات الري لزيادة الأراضي المروية.. أما حكومة المهندس عطري فقد نفذت خططاً أهملت فيها كل ماله علاقة بمواجهة الجفاف!، وكاد يكون شعار تلك الحكومة خلال عهدها “2003-2010”: الأراضي المروية لا تعنينا.. والسدود نسيناها!! نحن لا نتكلم بالعموميات ولكن بالأرقام الرسمية.. إذ تراجعت مساحة الأراضي المروية خلال تلك السنوات من 1.439 مليون هكتار إلى 1.238 مليون هكتار ومساحة الأراضي المزروعة فعلاً من 4.729 ملايين هكتار إلى 4.339 ملايين هكتار.
وما حصل من تدهور في الأراضي المروية كان نتيجة طبيعية وترجمة تنفيذية للإهمال المتعمد لحكومة المهندس عطري لمشاريع الاستصلاح والسدود من خلال تصفية القطاع العام الإنشائي، وبالتالي فآخر سدّ تم تدشينه في سورية كان في عهد حكومة محمد مصطفى ميرو في عام 2003، وبعدها لم يدشن أي سد جديد، ودائماً حسب الأرقام الرسمية!، وقد تخفي هذه الأرقام ما هو أعظم وأخطر..!!.
علي عبود