كائناً مَن كان المتحد..
بإعلان الرئيس الأسد في خطاب القسم أمس أن إعادة الإعمار هي عنوان اقتصاد المرحلة المقبلة، وأن التركيز على ذلك يتطلب تضافر جميع الجهود، توازياً مع العمل بشكل متكامل على ترميم كل القطاعات الأخرى التي ستكون مكمّلة وداعمة لإعادة الإعمار، يكون سيّد الخطاب قد وجّه البوصلة وحدّد الاتجاه نحو سورية المستقبل التي بـ”سوا” ستكون عظيمة البناء ردّاً على وضاعة وهمجية الهدم والدمار والعقول والأدوات التي تقف خلفها، أي حدّد المتطلبات المادية والبنيوية لاقتصادنا الوطني.
وبِرِهان القائد على العامل الداخلي في النهوض والتطوّر لصوغ سورية الأمل والوعد، ووضعه الأصبع على مكمن الألم المتمثل في الجهل وربطه بالأس الأخطر له وهو انعدام الأخلاق، يكون قد حدّد المنهج الفكري والثقافي والتربوي والتعليمي، الواجب ثورة حقيقية فيه.
قال أحد الحكماء: “لا خير في أمّة فسدت منابت أطفالها”، وها هو حكيم المرحلة الخطيرة في تاريخ أمتنا عامة وسورية خاصة يؤكّد أن انعدام الأخلاق هو الذي يؤدّي إلى تشويه الشرائع، واحتقار الشرف، وبيع الأوطان، وبالنتيجة فناء الأمم، وهو العائق الأكبر لتطوّر المجتمعات.
فالتطوير في مفهوم الرئيس الأسد لا يعتمد فقط على الأنظمة والقوانين على أهميتها، لكن الأهم أن التطوير ثقافة مبنيّة على الأخلاق، أي لا تطوير بلا أخلاق، هما صنوان متلازمان.
مقاربة دقيقة لمتلازمة التطوير والأخلاق وبمبضع طبيب العيون الذي بيّن أن الأخلاق الحميدة والرفيعة قد تؤدّي إلى حسن تطبيق القوانين، وبالمقابل بإمكان القوانين الجيدة أن تنمّي الأخلاق، لكن لا يمكن لها أن تزرع بذورها إن لم تكن قد زرعت مسبقاً في الأسرة والمجتمع.
إذاً الأصل والعلّة في توجّه واتجاه أي مجتمع هو المنبت، وهذا ما وصفه سيادة الرئيس بقوله: إنه وبغياب الأخلاق نصبح كمن يهدر الوقت للوصول إلى أهداف لا نملك الأدوات الضرورية للوصول إليها، بمعنى أننا نريد أن نطوّر فلا ننجح، ونريد أن نكافح الفساد فلا ننجح عندما تغيب الأخلاق.
هذا لناحية المنبت، أما لناحية دور الدولة ومؤسساتها الحاضنة والراعية والموجّهة لهذا المنبت، فالأخلاق برؤية القائد ليست بديلاً عن تطوير الأنظمة والقوانين أو مبرراً للتهرّب من مسؤولية الدولة في ذلك، فإذا كانت الأخلاق والثقافة هما الأساس، فتطوير إدارة الدولة ومؤسساتها هو البناء، وأي بناء دون أساس قوي سليم، هو بناء آيل للسقوط.
الرئيس الأسد وبتناوله مفهوم الفساد المالي والإداري، أكد أن أسّهما هو الفساد الأخلاقي، وهما في نظرته البعيدة بوابتا الفساد الأخطر وهو الفساد الوطني، حيث يسقط أي إحساس وشعور بالانتماء وبالتالي الولاء والدفاع عن الوطن المقدس.
وبانتقال ذكي إلى مكافحة الفساد والفاسدين، وأن المحاسبة غير كافية لإنهائهما، يصل السيد الرئيس إلى مربط الفرس في عملية الإصلاح ومدخله الأهم وهو الإصلاح الإداري، وربط نجاحه بتطوير مناهج التعليم بهدف جعلها عملية تربوية وليست تعليمية فقط، وهي مسؤولية كل المؤسسات المعنية.
والإعلام السلطة الرابعة، كان لها حيز مهمّ من خطاب القسم، فتركيز سيادته على الإعلام الاستقصائي هو تركيز وتوجيه للدور الذي يجب اقترانه بالبحث والمتابعة والتحقيق المشفوع بالبراهين والأدلة، القادرة على تحديد مكامن الفساد وأذرعه وآلياته وأدواته وطرقه، ما يعني ضرورة ترجمة الإعلام لسلطته الرابعة في أن يكون العين الرقيبة بكل تجرّد وموضوعية.
القسم الخطاب، بدءاً من الجزء إلى الكل وبالعكس في تحديد المهام والمسؤوليات والأدوار المطلوبة لسورية الغد، ولعلنا بهذه العجالة من القراءة التمهيدية والسريعة لجزء من الموضوع الاقتصادي في خطاب القسم، أردنا أن نؤكّد لقائد الوطن أننا كما أكد في معرض خطابه “شعب غيّر صموده كل المعطيات وتحدّى.. كائناً من كان المتحدّي”.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com