بين قوسين حصاد العاصفة
لحين كتابة هذه السطور يواصل مزارعو التفاح –في المنطقة الوسطى والجنوبية- حصاد محصولهم ليس قطافاً لأن الموسم لم ينضج بعد، بل تجميعاً عن الأرض بعد أن أصرّت ومازالت موجة الرياح العاتية التي تجتاح بعض المناطق على رمي جلّ ما تحمله الأشجار من ثمار على الأرض لتتحول تربة البساتين إلى بيادر يفترشها التفاح المتساقط قبل “أوانه” محولاً الموسم للعام الثاني على التوالي إلى كارثة حقيقية وضربة قاضية لفلاح مفجوع بالرياح بعد برد وصقيع العام الماضي.
لا يخفي أغلب الفلاحين تفاؤلهم الذي بدا منذ فترة الإزهار والإثمار، حيث لاحت في الأفق بوادر محصول مهم جداً يعوّض خسارة الموسم الماضي ولكن لم تكتمل الفرحة بمشاهد التفاح الذي تتلقفه الأرض بكميات كبيرة جداً لدرجة لم يعد ينتهي المزارع من التجميع حتى يعود من جديد في صورة محزنة لموسم يتهاوى أمام العين دون قدرة على التدخل في توقيت مازالت الثمار غير مكتملة النضوج، والثمار تبحث عن مزيد من الصبر للجني وهذا ما لم يحقّقه المناخ الغاضب على مدار أيام الأسبوع الماضي ليل نهار؟!.
ولأن التفاح نفسه الذي يسقط قسراً نراه في السوق يُباع في سوق الجملة والمفرق بأسعار ليست بالقليلة، بادر الفلاح وبتحريض من الوسطاء وسماسرة التّجار لتجميع أكوام الثمار بالأكياس وبيعها لحلقات تجارية باستغلال واضح لمصيبة المزارعين المفجوعين، حيث لا يدفع سوى ثلاث ليرات وخمس ليرات في أحسن الأحوال ثمن الكلغ الواحد، علماً أن التسعيرة التي يبيع بها “الخضرجية” تتجاوز هذا السعر بأضعاف مضاعفة تصل إلى أكثر من 150 ليرة للنوعية نفسها والحجم من الثمار المتساقطة وحتى المقطوفة باليد.
هذا الفرق بالسعر الذي لا ينفع معه لا ضجيج المزارع ولا امتعاضه في وقت يسرح التّجار ويمرحون بتسديد قروش للفلاح مقابل الحصول على مرابح باهظة، علماً أن لسان حال الكل في مناطق البساتين والحقول يقول أين دور الجمعيات الفلاحية ومؤسسة الخزن والتسويق في الوقوف إلى جانب المزارع، وبالتالي توريد المحصول بسعر اقتصادي أكثر مما يحصل، إذ يقع عبء كبير على صاحب الرزق الذي تعرّض لمصيبة تضاف إلى قائمة مستلزمات الحقول من مبيدات وأدوية تصل إلى مئات الألوف عدا لوازم وتكاليف تسويق وتبريد وشحن وتوابعها!!.
إذاً يبقى للتفاح والحمضيات والزيتون والقمح وغيرها من الأرزاق همومها ومواجعها التي تحوّلت إلى إدمان حقيقي للمزارع الذي “لاحول ولاقوة” في كل المناسبات، فمن غضب الطبيعة إلى استغلال بني الجلدة والحبل جرار!!.
علي بلال قاسم