ثقافة

الأديب محمود عبد الكريم: هناك رؤية قاصرة جداً عن إدراك حقيقة المثقف ومن نراهم في التلفزيونات هم محترفو سياسة

يحار المرء كيف يبدأ حواره مع الأديب محمود عبد الكريم ذلك القريب البعيد من الزمان  فهو ذاكرة تحتضن إنساناً يختزن من المعرفة والثقافة ما يحتاج إلى حوارات متعددة.. ومع أنه لقائي الأول مع الأديب عبد الكريم، إلا أن مايتمتع به من دماثة الروح وعذوبة الحضور، بدد حالة التكلف التي كان يمكن أن ترسم ملامح لقائنا، فكان أقرب للبوح منه للقاء الصحفي الذي تحكمه طبيعة الأسئلة والأجوبة المقتضبة، وهذا ليس غريباً على أديبنا فغناه الروحي يمثل جزءاً مهماً من غناه الأدبي، فقد حقق حضوراً لافتاً ومتميزاً في حقل الأدب، البعث التقت الأديب محمود عبد الكريم في حوار حول تجربته الإنسانية والإبداعية وقراءته التاريخية لما يجري من أحداث في سورية، وكانت وقفتنا الأولى مع العوامل التي أسست لهذه التجربة حيث أعادنا أديبنا إلى “سربيون” هذه القرية الغافية على كتف جبل وادع الذي تشكلت ملامح أبناء المنطقة وشخصياتهم من لونه وشموخه، ومازالت ذاكرة أديبنا تحتفظ بصور الصبا الأول والفطرة الأولى حيث الطبيعة كانت الحضن الذي احتضن هذا الإبداع فيقول عبد الكريم: “عمري ستون عاماً وأنا مقتنع أن الحياة بعد الخمسين جريمة، على الإنسان أن يرحل باكراً، مع أن هذه السن تمتاز بكثير من الحكمة، لكن فيها شيء بائس هو أن الإنسان يبدأ بالندم على بعض حماقاته التي اقترفها في الصبا، مع أن أجمل ما في الحياة هو تلك الحماقات”.
اغتيال الأحلام
ولم تستطع المدينة التي عانى أديبنا كثيراً حتى استطاع التأقلم معها، أن تروضه وتطبعه بطابعها، فبقي يحمل في شخصيته الكثير من مزايا القرية وصفاتها الفطرية فيتحدث: “أنا بطبيعتي كائن بري الطباع والسلوك والعلاقات، لاأستطيع احتمال الغدر لا مني ولا من الآخر.. كنت من جيل مليء بالأحلام، وأحلامي أنا تم اغتيالها حلماً تلو الآخر حتى تراني أكاد أقول: هل كنت أستحق هذا العمر الذي عشته، والذي ضيعته هباء -وربما هذا ينطبق عليّ وعلى سواي- فأمام ضريبة ما يحصل لو أننا لم نضيّع أعمارنا هباء ربما لما كان ما يجري الآن قد جرى”.
وبعد سن الخمسين تلّح عليه ذاكرة الطفولة فلا يبقى شيء أو تصرف قام به أيام طفولته إلا ويحضر أمامه فيستحضره وكأنه يعيشه الآن مما زاد في غربته كونه ابتعد عن تلك التفاصيل، وهنا عاد إلى تلك اللحظة التي غادر فيها قريته إلى دمشق وصخبها وضجيجها الذي لم يستطع التأقلم معه، فأصابته حالة من الأرق والفقد العميق والمرير للمكان الذي أحبّه.. هذا الفقد الذي استمر معه لفترة طويلة كان له علاقة باختلاف المشهد البصري الذي ضاق على العين بعد أن كان هناك مدى واسع النظر، ملوناً بكل الألوان، رأى نفسه في المدينة أسير لون واحد متشابه، بائس في أغلب الأحيان، وهذا من وجهة نظره ترك أثره على منظوماتنا الأخلاقية وصادر سلوكنا، فاكتشف أن سر تخلفنا من المدينة وليس من الريف. “اكتشفت أن المدينة الحلم (السينما، المسرح الثقافة…الخ) تجاورها وتعيش في أعماقها مدينة من العصور الوسطى، مما سبب لي صدمة قاسية في البداية، وعيتها فيما بعد، مما دفعني لقراءة التاريخ بنهم منقطع النظير، واكتشفت أن جزءاً منه لايزال أكثر تخلّفاً من العصور الوسطى، وعندما حاولت الابتعاد عن هذا الواقع ردتني إليه ظروف الحياة التي أجبرتني على العيش في هذا الواقع، وعرفت أن هذه الأمكنة بالشروط التي وُضعنا فيها سيكون تأثيرنا فيها قليلاً، وربما معدوماً –وأنا هنا لست بطلاً، ولا أدعي البطولة ولا أريدها أصلاً وبالشكل الذي أراه لاأحترمه- لكن البطولات التي استوقفتني هي ما يجري الآن وأن يخرج أبناء الطبقة الفقيرة ليدافعوا عن وطنهم وشخصيتهم وكبريائهم وانتمائهم لإنسانيتهم بهذه الشجاعة والبسالة، وهذا الموت المرير الذي صعقهم وأذهلهم ولم يكونوا يتصورونه أبداً، هذه البطولات لاتستحق الانحناء فقط، بل تستحق التفكير أيضاً إذ لعل وعسى يستطيعون انتشال هذه العمائم من القرون الوسطى، وتفتح نوافذها للشمس والحرية والكبرياء.. للإنسان والحضارة والتقدم الاقتصادي والاجتماعي لهذا النهج، أنا أعتقد أن ما يجري في بلادنا هو معركة بين المستقبل والعصور الوسطى بمنظوماتها وأدواتها الكاملة من صاروخ ومدفع وراجمة، لكن قبلها كان الساطور وهو الأقرب لفكرهم وعقلهم، والتاريخ يشهد على حوادث متشابهة بدءاً من مذبحة القلعة التي أقامها محمد علي باشا، مروراً بأحداث 1860 في جبال لبنان وبلاد الشام وصولاً لحوادث كثيرة مشابهة في الحواضر العربية مارسها العثمانيون كسياسة رسمية وأعطوها هوية سياسية ثقافية دينية”.

الشعر أول البياض
وبما أن الشاعر ابن الطبيعة وفطرتها فمن الطبيعي أن يكون بوحه الأول مع الشعر فأصدر ديوان شعر واحد هو “رعويات” ضمنه حكايات الطفولة والصبا كتب الشعر تلقائياً منذ الصبا الأول فيقول: “كتبت الكثير من القصائد بعضها ضاع وبعضها مازال موجوداً، لم أترك مفردة من مفردات الطبيعة إلا ونظمت لها قصيدة، وقد اختصرت هذا كله في مقاطع ضمنتها ديوان “رعويات” ذاكرة الصبا”، من أجل مشروع كان أديبنا يرغب بإتمامه وقد عانى من كسلين كما قال “كسل البدن وكسل الروح، وربما خيبات أمل”: “لقد حاولت استثمار ما امتلكته من أدوات في عمل إعلامي ترجمته إلى مجموعة من الأعمال الوثائقية منها اهتم بالمقاومة، ومنها اهتم بالمعرفة، وحاولت استكمال ذلك في بعض الأعمال الدرامية وهي قليلة، الذي أنجزته منها أعتقد كان له تأثير، حاولت أن أعالج مسألة الدولة الإسلامية من خلال مسلسل (فارس بني مروان) كيف تتم إقامة هذه الدولة والمنظومة التي قامت على أساسها، كما حاولت أن أكون مخلصاً للتاريخ فيما كتبته في (البحث عن صلاح الدين) وهو كان دائماً في نسق تاريخي جاحد حاولت أن أفكك هذه الحالة، وأعيدها إلى أصولها، وهي أنها كانت حركة تحرير وطني قام بها أبناء المنطقة ولم يأت لا الكرد ولا الترك ليحرروها، هم ساعدوهم من منطلق السلطان الذي كان سائداً لأنهم كانوا حكاماً، لكن الذين قاتلوا في غزو الفرنجة هم أبناء هذه البلاد، أبناء قبائل طي وربيعة وأبناء دمشق وحلب والسويداء والساحل السوري وقد قدمت قراءة تاريخية لا تقبل النقد وهي من مصادر “إفرنجية” وليست عربية، حاولت بطريقة ما أن أصحح هذا التاريخ وأفكك النمطية التي اعتدنا عليها، وهذا ما جرى في فلسطين والنقب، وكلها كان مسكوتاً عنها، ودائماً كان يقدم أن هناك مجموعة من الترك والكرد جاؤوا مع صلاح الدين وحرروا بيت المقدس، وطبعاً هذا ليس إنكاراً لدورهم لكن الحقيقة يجب أن تقال، الذين هزموا الصليبيين في المنطقة هم سوريون بكل مكوناتهم، من خلال حرب نظامية وفدائية لم تتوقف لحظة، دون أن نغفل دور المصريين، أيضاً هم قاموا بدور عظيم في هذا المجال. كانت هناك مسؤولية أخلاقية ومعرفية أخذتها على عاتقي لتفكيكها وأعتقد أنني نجحت بطريقة ما.

حقيقة المثقف
> وأسأله حول ما كنا نطلق عليه لقب مثقف إلى أي مدى أثبت حقيقته وجدارته بهذا اللقب وهل يا ترى يوجد لدينا مثقف حقيقي فيجيب:
>> الثقافة حالة معرفية وكتابة الرواية والشعر ليست ثقافة هي موهبة، الثقافة شيء آخر، إحاطة معرفية بالعصور والناس والقيم والثقافات وبالتالي القدرة على اتخاذ موقف منها وتبيان الخطوط والألوان وشرحها بحكمة للناس وهذا شيء آخر، أبو نواس مثلاً كن شاعراً لكنه لم يكن مثقفاً، أيضاً بشار بن برد والمتنبي، الثقافة لها مستويات، هناك مثقفون على مستوى معرفة الحياة والكتب والجغرافيا وبعض التاريخ وبعض معلومات انترنت…الخ، وهناك مثقفون أرفع قليلاً يعرفون الدول وعلاقاتها وتاريخها وقيمها ومعاييرها ومنظوماتها، وهناك ناس يصلون في الثقافة لدرجة الفلسفة والحكمة. في المستوى الأول لدينا الملايين من المثقفين، وفي المستوى الثاني لايوجد لدينا أحد أبداً. للأسف الشديد عندما يذكر المثقف عندنا يقولون “ميشيل كيلو وأمثاله”، لكن هؤلاء ليسوا مثقفين، إنهم محترفو سياسة، ثقافتهم كلها تذهب باتجاه السياسة، والثقافة ليست كذلك، هناك رؤية قاصرة جداً عن إدراك حقيقة المثقف، من هو المثقف وما هو دوره، ما هي القيم التي يحملها، وهنا نقع في الخطأ عندما نطلق على من خرجوا من البلد أنهم مثقفين، هم بعض الأشخاص الذين لايحملون ثقافة معينة، أنا لا أحدد موقفاً منهم، بل أحدد موقفاً من إطلاق المفهوم الخاطئ، نحن نقول إننا مثقفون والأصح أن نقول نحن من المثقفين ولسنا المثقفين.
> وهؤلاء متى يبدأ دورهم؟
>>دورهم في مجتمعاتهم في مهنتهم وحياتهم، بالكتب التي يؤلفونها، في المحاضرات التي يلقونها على تلامذتهم، هذا هو دورهم، ومن تم استضافتهم التلفزيونات على أنهم مثقفين من أول الأزمة حتى الآن، هم محترفو سياسة وليسوا مثقفين لايتجاوز عددهم الـ 5 هناك تلفيق وادعاء ولامنطقية، دائماً نحن نؤخذ بالوهم، ثانياً الثقافة في هذا العصر تحتاج لبعض التوقف، مثلاً ابنتي طالبة في الصف العاشر هي مثقفة أكثر مني، بمعنى أن لكل عصر ثقافته المختلفة عن العصر الآخر، أي أن الثقافة أصبحت مرتبطة بالنفع، بالإنجاز، يُفترض أنها تفتح باباً للتقدم والازدهار، أما لغة من يظهرون على التلفزيون فهي ثقافة القتل. ولايجوز بأي شكل من الأشكال الذي يعمل بالشأن الوطني العام أن يصل إلى الانحطاط والإسفاف بحيث يدوس على معايير وقيم الآخرين، هؤلاء ليسوا مثقفين، ومتأكد تماماً أنهم لن ينجزوا غير ذلك، لكن أقول إن هذا الجيل انتهى وأرجو أن يتجاوزه الجيل القادم ولا يحترمه أبداً لأنه لم يوجِد إلا الخيبات وآخر إنجازاته الحرب الأهلية التي تحصل في سورية الآن.

خلط المصطلحات
> ونتيجة ما يحصل ظهرت الكثير من المصطلحات التي أصبحت متداولة في الأوساط الثقافية دون الإدراك لماهيتها ومعناها الصحيح؟ وإذا كانت تخدم الفكرة المطروحة أم لا مثل العلمانية ومقارنتها مع الأصولية والتكفيرية وغيرها من المصطلحات الأخرى فيوضح الأديب عبد الكريم هذا الالتباس بقوله:
>> هنالك خلط في المفاهيم والمصطلحات، الأصولية شيء والتكفيرية شيء آخر، فإذا أخذنا الأصولية من المنحى الإسلامي البحت، بمعنى الفقه الإسلامي فتعني العودة إلى الأصول أي العودة إلى القرآن الكريم، وما جُمع في السنة النبوية من قِبَل الشيعة والسنة، يعني الصحيح الستة عند أهل السنة والجماعة، الصحاح الأربعة عند أهل الشيعة، وما تفرع عنها، هذه هي الأصولية باختصار ولا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بما ندعوه التكفيرية، وهذا خطأ يجب أن لا نقع فيه على الإطلاق، كذلك مصطلح السلفية الذي يعني العودة إلى السلف الصالح، باعتبار أن الأحفاد لم يكونوا صالحين، فهناك دعوة عند رجال الدين بدأت منذ القرن الرابع الهجري تقريباً، تدعو للعودة إلى السلف الصالح، وهو الرسول والصحابة وبعض التابعين، وأحياناً يختلفون: هل نعود إلى التابعين فقط؟ أم إلى الرسول وصحابته، بمعنى أن يكونوا سلفاً صالحاً ننسج على منواله وننحي ما علق بمسيرة التابعين وتابعي التابعين والأحفاد من أخطاء وتراكمات..الخ والمصطلحان يستخدمان في غير مكانهما، وهذا بحث طويل وعميق وخاص، وللأسف نحن نطلقه دائماً في الإعلام دون أن ننتبه إلى مخاطره، لذلك نحن ندفع عن مقولة العامة، كما يقال ونأخذها على عواهنها وفي حقائق الأمور ليست كذلك.
> وأشار عبد الكريم إلى أنه داخل الأمة لاشيء اسمه الجهاد، “الجهاد” هو مجاهدة العدو الخارجي، أما في الداخل فهو “مجاهدة نفس”، أي مجاهدة النفس عن أهوائها وشهواتها، هو الجهاد الأكبر، والجهاد الأصغر هو جهاد العدو الخارجي وهذا العدو هو الذي يريد أن يغتصب الأرض ويدمر الدولة، هذا الذي فُرض الجهاد في وجهه، أما في الداخل فلم يطرح الجهاد، لأنه في عرف كل فقهاء التاريخ الإسلامي وأئمة المذاهب مدعاة للفساد، من هنا أقول: تسميات أصولية وسلفية هي تسميات ملفقة وضعت قصداً لكي تُلبس رداء إسلامياً وبالتالي يتم اختطاف الكثير من شباب المسلمين تحت هذا الغطاء.
ويضيف أديبنا: طبعاً شرط القتل في الإسلام من الصعوبة إلى درجة أنه حتى لو أحد يستحق القتل لا تقتله لأن فيه من الصعوبات والتعقيدات الدينية والتاريخية ما يجعل أي مسلم حقيقي يبتعد عن الدم ولو قُتل هو(على مبدأ اللهم اجعلني قتيلاً ولا تجعلني قاتلاً) فمن يتورع عليه أن يعد عمره بأسره قبل أن يتورط بقطرة دم، فكيف بمن يقتل أطفالاً ونساءً..الخ.
أما من ينظّرون لما يحدث الآن على أنه ثورة أقول لهم: الثورات شروطها صعبة جداً في الدين الإسلامي والمفترض من حاملي شعارات الثورة أن يعدوا للألف قبل أن يطلقوا ثورة أو تحركاً أو تحريضاً ليتبناه الناس، من المفترض أن يكونوا أكثر رحمة بالناس من أجل طموحاتهم السياسية، لأن الثورات وخاصة حينما لا تكون شروطها مكتملة، وتحمل الكثير من التلفيق في شعاراتها وأدواتها تؤدي إلى كوارث مدمرة، ودعينا نفقطها على الواقع: سورية بوضعها الحالي وظصروف المنطقة والظروف المحيطة بها وظروف تنوعها الداخلي كانت تحتمل حركة مطلبية هادئة مسالمة، لكن حينما يرفع أحد شعار الدم تتبرأ منه، لأن هذا الشعار هو سكين في الصدر، قبل أن يكون في صدر الدولة وأول ضحايا العنف الثوري الذي يطبل ويزمر له الشباب كان هذه الحركة، والدولة لا تزال قائمة ولن تسقط، ومن سقط هم طرفا أبناء البلد، والحركة المطلبية السورية، هؤلاء الثلاثة سقطوا والدولة ظلت، وستبقى، ومن العقل أن نضع الدولة أمام حالة أنه لابد من الإصلاح، فالمطالبة بالعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد وتشكيل الأحكام السياسية وحرية الرأي والوصول إلى الديمقراطية ربما بخسائر أقل مما حصل بكثير، فعندما يكون الشعب السوري بكامله مقتنعاً بهذه المطالب فإن الدولة السورية ستقتنع بها مهما طال الزمن، لكنهم للأسف حولوا الثورة إلى قتال مسلح، لتصبح الثورة في سورية أمريكية الهوية وأنا ضد أمريكا ومن المستحيل أن أكون معها، ما يحصل في هذه الثورة لا يحمل أي مطلب سوري، وليس لها أي برنامج وما رأيناه أنهم يريدون القتل والتدمير، وبعض المثقفين يوافقونهم وكأنهم يقولون نحن قادمون معهم أيضاً.
لكن وبغض النظر عن كل التنظيرات التي تخرج وتظهر، نحن في مكان آخر لا علاقة له بكل الكلام الذي سمعناه فمنذ خمسين عاماً نحن أمام غزو يريد تدمير المجتمع السوري قبل الدولة السورية وتفتيته ودفعه إلى هاوية لا يستطيع الخروج منها أبداً، هذه أهداف تلك الثورة الأمريكية بالمطلق تشارك في تنفيذها العائلة السعودية وبعض حكام الخليج والحركة الصهيونية وبعض الذين فقدوا عقولهم يسيرون لا يعرفون إلى أين، هذا هو برنامجها، تدمير الدولة على أساس أن تقيم الدولة الإسلامية ولكن لم تستطع تحقيق ذلك على الإطلاق لأنها دولة إسلامية كما تريد الولايات المتحدة الأمريكية أي تريد مذبحة إسلامية مستمرة وليس دولة إسلامية وهي تنقل هذه المذبحة من مكان إلى مكان في دول المنطقة، المسألة بالنسبة إليها أن الإمبريالية لا تستطيع أن تحيا إلا على ظهر عالم متوتر متذابح بنسبة ما، أي لا تستطيع أن تقيم الحرب العالمية الثالثة لتستعيد استعباد البشر فتعمل على تفجيره من داخله.

خلاص سورية
> من خلال قراءتك للتاريخ ما هي الرؤى التي تقرأها لمستقبل سورية، كيف سيكون خلاصنا؟ وأين هم رجال الدين الذين تعوّل عليهم بإيجاد الخلاص والحل؟
>> رجال الدين هم بالأساس مختطفون وآل سعود بما يملكون من مال وبتأثير وسائل الإعلام وبتحالفهم مع الولايات المتحدة الأمريكية احتلوا المشهد العربي الإسلامي، ومن لا يوافقهم يُقتل، والناس بالنهاية تؤْثر السلامة، هناك بعض الأصوات ترفض وتخرج، وجزء يُقتل وجزء يحيّد، لكن هم بأموالهم وبالهيمنة الإعلامية لهم اغتصبوا المشهد الإسلامي وأخذوه إلى المكان الذي يريدون وهذه هي المعركة الآن، استرداد الإسلام بحقائقه أصبح من أهم المعارك التي يمكن أن يخوضها المسلمون ليستردوه ممن أخذوه إلى غير مكانه وغير مقاصده في كل المجالات، وبرأيي أن السلطات تتحمل الكثير مما يحصل بسبب عدم قدرتها على إيجاد برامجها، وعدم فتح حوار حيادي بشكل عام، وعدم خلق وحدة مجتمعية والعمل عليها عملاً جدياً، الآن الإمبريالية تعبّر عن أزمتها لكن بدمائنا ولو لم يتمكنوا من تصديره إلينا هكذا لانفجر عندهم، وما نراه عندنا الآن كان حصل عندهم ويا ليت الأنظمة التي تدعم التقدمية أبقت على سيف العداء مشهراً في وجه ما أسموه الرجعية العربية ذات يوم وخاصة العائلة السعودية حصراً، عداء سافر لا يقبل أي نقاش، لكانت النتيجة تحصين مجتمعاتنا وصعوبة اختراقها وبعيداً عن الثمن الذي ندفعه الآن، ويجب على أي وطني مخلص وشريف أن يرفع صوته بوجه عودة أي علاقة مع آل سعود، كما كنا نرفع أصواتنا في الستينيات ضد العلاقة مع إسرائيل، لأن إسرائيل لم تستطع على مدى ألف عام أن تعمل في المنطقة ما قام به آل سعود خلال السنتين الأخيرتين، وهؤلاء للأسف ليست لديهم محرمات، يستخدمون أي شيء لتحقيق أهدافهم، والحفاظ على سلطتهم وإرضاء هذا الذي يقول لهم بلحظة أوليّكم على مناصبكم وبلحظة أعزلكم، لذلك هم ينتحرون من أجل إرضائه للبقاء على كراسيهم، وطالما هم موجودون هذه المذبحة ستبقى مستمرة في المنطقة ككل.
وأنا برأيي أنه ما لم تنتقل هذه المعركة إلى قلب قصور مدبريْها ومروجيها ومموليها ومدربي عناصرها، فالمذبحة مستمرة، ومن يقول غير ذلك فهو إما أنه حسن النية، أو أنه لا يفقه شيئاً في التاريخ، أو أنه منافق، أو أنه خصم بصيغة الصديق، وعندما تنتقل المعركة إلى السعودية وإسرائيل تنتهي المعركة لدينا.
في الختام: كما بدأنا مع أديبنا ببوح الشعر نختم حوارنا بقصيدة سطّرها شاعرنا من وحي الأزمة التي تعيشها سورية بعنوان: “تغريدة مشرقية”.

سلوى عباس