الهلال أبرز الأهمية الوطنية والتاريخية لخطاب القسم في حديث لـ "البعث": المطلوب تحويله إلى خطط عملية ولن نسمح بالتقصير أو التقاعس في تنفيذها
الرفيق هلال الهلال الأمين القطري المساعد للحزب في حديث لـ “البعث”:
خطاب القسم متعدد الأبعاد.. غني بالأفكار والمواقف..صريح يسمّي الأمور بمسمياتها.. ونقدي يحدّد السلبيات ويرسم طرق التغلب عليها
دورنا الحزبي في المرحلة المقبلة سينصبّ على توفير السبل اللازمة لتنفيذ ماجاء في الخطاب أفضل تنفيذ
مراسم أداء القسم تميزت بنفَس ملحمي مصدره التفاعل الخلاق بين القائد الاستثنائي والشعب الاستثنائي
عمِلنا على إعادة الاعتبار لأخلاق البعث الركيزة الأساسية لكل تطوير حزبي حقيقي
دمشق – رئيس التحرير :
أوضح الرفيق هلال الهلال الأمين القطري المساعد للحزب أنَّ المطلوب في هذه المرحلة هو الانكباب على تحويل خطاب القسم الى خطط عملية وتنفيذها أحسن تنفيذ، مشدداً على الدور الأساسي للحزب في هذه المهمة التي اعتبرها مهمة وطنية حيوية يجب أن يشمل حاملها الدولة والمجتمع لمختلف مكوناته السياسية والشعبية، ومؤكداً، في حديث للبعث، أنَّ الحزب لن يسمح بالتقاعس أو الخطأ أو التقصير في تنفيذ هذه المهمة.
وقال الرفيق الهلال: إنَّه على قدر أهمية الإنجاز الانتخابي العظيم الذي صنعه السوريون بإرادتهم الوطنية الفذّة، جاء أداء القسم وخطاب السيد الرئيس بشار الأسد الذي أعقبه تعبيراً كاملاً عن هذه العظمة الوطنية العربية السورية، وأضاف: إنَّ سرّ الملحمية التي طبعت حفل أداء القسم تكمن في بطولة القائد الاستثنائي الرفيق الأسد، وبطولة شعبه الصامد الذي اجترح معجزة الصمود الوطني. ووصف الأمين القطري المساعد خطاب القسم بالغنيّ والشجاع والصريح والنقدي، موضحاً أنه خطاب السيادة الوطنية التي قدمت للعالم نموذجاً سياسياً استقلالياً راقياً، وديمقراطية مصنوعة من نسيج وطني نادر، وخطاب العروبة التي لا مستقبل للعرب إلاّ بها، وخطاب فلسطين قضية الأمة والعروبة والإسلام، وقضية سورية مثلما هي قضية فلسطين.
وشدّد الرفيق الهلال على أنَّ الرؤية العروبية الاستراتيجية الثاقبة للسيد الرئيس بشار الأسد تتعالى عن صغائر الأمور في تعاملها مع القضايا القومية، واستعرض الأمين القطري المساعد أبرز عناصر البرنامج الذي رسمه خطاب القسم للمرحلة المقبلة، ولاسيّما ضرب الإرهاب، وإجراء المصالحات الوطنية، ومكافحة الفساد، وتعزيز العمل المؤسساتي، وإعادة الإعمار. وتطرّق الى أولوية قضايا شهداء الجيش، وضحايا الإرهاب، والمخطوفين والمفقودين، والمهجرين…
وفي معرض تقويمه عمل القيادة القطرية قال الرفيق الهلال: إنَّ مدة عام الماضية شهدت عملاً مكثّفاً، في مختلف المجالات السياسية والتنظيمية والفكرية والاجتماعية والميدانية، سينعكس إيجابياً على عملية التطوير البنيوي العميق للحزب، ومركّزاً على أهمية إعادة الاعتبار للأخلاق البعثية، وتجديد أساليب وآليات العمل، والانطلاق بذهنية عملية جديدة. وفيما يلي نص الحديث:
< شكّل خطاب القسم وثيقة تاريخية فكرية وسياسية، ومنهاج عمل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. ولكن قبل الدخول في تفاصيل ذلك، كيف تنظرون إلى الخصوصية التي ميّزت حفل أداء القسم؟.
<< لفهم أهمية خطاب القسم، وهي أهمية تاريخية استثنائية، بكل المقاييس، يجب عدم فصله عن أداء القسم، هذا الحدث الكبير الذي توّج انتخاب الرفيق بشار الأسد الأمين القطري للحزب رئيساً للجمهورية، من جماهير الشعب الذي أصرّ على تحدي قوى الاستعمار والصهيونية والرجعية وأدواتها الإرهابية، وصمّم على إنجاز الاستحقاق الدستوري بإقبال منقطع النظير، «وتحت النار»، موجهاً بذلك الضربة القاضية للأعداء وملقناً إياهم درساً لا يُنسى في الوطنية والديمقراطية.
وعلى قدر أهمية الإنجاز الانتخابي العظيم الذي حقّقه السوريون بإرادتهم الوطنية الفذة، جاء أداء القسم وخطاب الرئيس الأسد تعبيراً كاملاً عن هذه العظمة الوطنية السورية. وتجسّد ذلك، من حيث الشكل، في مراسم أداء القسم التي تميّزت، على بساطتها وبعدها عن البهرجة والبذخ، بنفس ملحمي، برز أكثر ما برز، في ذلك الحضور الواسع للمدعوين الذين جاؤوا من مختلف المحافظات، ومثلوا شرائح الشعب السوري الصامد كافة، وليس أعضاء مجلس الشعب فقط، كما جرت العادة. وكما كان الصمود الوطني السوري الذي أفشل العدوان الإرهابي الآثم على سورية نتاج ذلك التفاعل الخلاق بين قائد استثنائي وشعب استثنائي وجيش استثنائي، كان لابد لحفل أداء القسم أن يحقّق التعبير الأمثل عن ذلك التفاعل.
< على أهمية ما ذكرتم، أين يكمن التميّز السوري تحديداً، ولاسيما أن الدول جميعها تحرص على إخراج مثل هذه المناسبات في أفضل شكل، والغنية منها ترصد لها الإمكانات الهائلة والأموال الطائلة؟.
<< المقارنة مع الدول الأخرى في هذا المجال غير واردة في رأيي، فالحفل كما ذكرت كان بسيطاً وبعيداً عن لعبة الإبهار واستعراض الإمكانيات، لكنه بالمقابل كان ملحمياً. وهذه الملحمية لا يصنعها الإخراج مهما كان متقناً وهائلاً، فلا حرس الشرف ولا السجادة الحمراء، ولا آلاف المدعوين، ولا عظمة القصور يمكن أن تصنع ملحمة، إذا لم يكن أبطالها حقيقيين ومن طراز وطني وإنساني فذ. أما إذا وجد هؤلاء الأبطال، فالملحمة ستتحقّق، حتى بإمكانيات بسيطة ومحدودة، ذلك أن الشكل لا يحقق ملحميته إلا بقوة وصدق مضمونه. وما صنعت ملحمة حفل أداء القسم، هي بالتأكيد بطولة القائد الاستثنائي الرفيق بشار الأسد، وبطولة شعبه الصامد الذي حضر، من خلال أسر شهداء الجيش والقوات المسلحة والدفاع الوطني، وأسر المدنيين والمصابين، وأسر جرحى الحرب، وغيرهم من شرائح الشعب التي اجترحت معجزة الصمود الوطني السوري، كل من موقعه وبأدواته.
< بالعودة إلى خطاب القسم، كيف تقرؤونه، وما هي أبرز أبعاده الفكرية والسياسية، وما هي أهم عناوينه للمرحلة المقبلة في سورية؟.
<< الخطاب متعدد الأبعاد، عميق، غني بالأفكار. وهو أيضاً صريح، يسمي الأمور بمسمياتها، ويعلن المواقف بكل وضوح. الخطاب أيضاً نقدي، يسلط الضوء على السلبيات، ويرسم المبادئ العامة للتغلب عليها.
هو في المقام الأول خطاب شكر ووفاء للسوريين الوطنيين كافة، شعباً وجيشاً، الذين أفشلوا العدوان بصمودهم ومعاناتهم وتضحياتهم، وكانوا مثالاً نادراً للشعوب الحيّة العريقة في حضارتها، والمتجذرة في وطنيتها، والمتأصلة في هويتها.
وهو خطاب السيادة الوطنية المقدسة التي قدمت للعالم نموذجاً سياسياً استقلالياً راقياً، وديمقراطية مصنوعة من نسيج وطني سوري نادر وعريق . هذه السيادة التي نجح السوريون بقيادة الرفيق الأمين القطري للحزب السيد الرئيس بشارالأسد في الدفاع عنها بإرادة لا حدود لصلابتها، طوال السنوات الماضية من عمر العدوان على سورية، هي التي أضفت على الخطاب عنفوانه وقوته، ليقول للعالم بلغة الواثقين إن السيادة الوطنية العربية السورية الراسخة أصلاً قد زادها الدم السوري الطاهر رسوخاً على رسوخ وقوة على قوة، وإن كل محاولات الغرب الاستعماري وأتباعه الإقليميين النيل منها محكومة بالفشل الذريع، تماماً كما فشل العدوان.
وتأتي نبرة الثقة العالية والشجاعة اللافتة التي حفل بها الخطاب انعكاساً لهذا الإيمان العميق بالسيادة الوطنية، وبقدرة الشعب العربي السوري على الدفاع عنها في مواجهة أعتى قوى الشر في العالم، بل وقدرته على إسقاط الحسابات وتغيير المعادلات وقلب التحالفات، بفضل صموده وتمسكه باستقلاله وحرية قراره. أي إنها ثقة وشجاعة لهما أساسهما الموضوعي وحاملهما الشعبي النوعي الذي يشكل لب الخصوصية الوطنية العربية السورية.
وهو خطاب العروبة التي كانت سورية تاريخياً وستبقى موطنها. ذلك أنه لا مستقبل، ولا كرامة للعرب خارج هويتهم القومية والثقافية. والقضاء على هذه الهوية كان دائماً هدف العدو الإمبريالي الصهيوني الذي يدرك أن تجريد العرب من هويتهم يعني نهايتهم، سواء كانت هويتهم العربية الثقافية باعتبارها الرابطة الحضارية التي تجمعهم، وتشكل عمقهم الحضاري، وتمثل الأساس المعنوي لمشروعهم النهوضي، أو العروبة السياسية كحركة حديثة تناضل في سبيل تحرير الأمة وتوحيدها وتحقيق نهضتها وتجددها.
وأن يعبق خطاب القسم بنفس عروبي عميق، فهذا أمر طبيعي، لأن الوطنية السورية هي وطنية عروبية نقية لا لبس فيها. وأن تكون سورية هي الموقع المتقدم للدفاع عن العروبة، فهذا أيضاً قدرها وإرادتها، (ألم يجعل السوريون البحر المتوسط في مرحلة من مراحل التاريخ بحيرة عربية ؟) لأن في غياب الهوية العربية الجامعة، تتفكك المجتمعات العربية، كما يحدث الآن، بشكل دراماتيكي في بعضها، وتعود إلى مكوناتها ما قبل الوطنية المحملة بكل عناصر التشظي والانفجار، فضلاً عن التخلف والبؤس.
إن الصمود الوطني السوري الذي أذهل العالم هو اليوم، في أحد أبرز وجوهه، تصحيح لاتجاه بوصلة العروبة ودفاع مصيري عن هذه الهوية الحضارية النيرة، التي عليها أن تواجه، بالإضافة إلى العدو الإمبريالي الصهيوني، عدو الداخل ممثلاً بالرجعية العربية التي أوصلت الأمة بسبب تبعيتها وتخلفها وفسادها واستبدادها إلى هذه الحالة غير المسبوقة من التردي والانهيار، والتي تزج اليوم بكامل قوتها وإمكانياتها وأدواتها الإرهابية التكفيرية في تنفيذ مشروع تدمير الوطن العربي، وتقسيم دوله وتصفية قضيته القومية المركزية: قضية فلسطين.
والخطاب بهذا المعنى تأكيد على ضرورة انتصار التقدم العربي على التخلف العربي، والوطنية العربية على التبعية العربية، والمقاومة العربية على التخاذل والتآمر والتصهين.
وهو خطاب فلسطين ودعم مقاومة شعبها البطل بامتياز. وفيه رد بليغ على كل الأعداء الذين راهنوا على أن العدوان الإرهابي على سورية سيغرقها في جراحها، ويبعدها عن فلسطين، كما عن العروبة عموماً، فإذا بالخطاب يطيح بآخر أوهامهم، من خلال تأكيده على أن القضية الفلسطنية ستبقى القضية المركزية استناداً إلى المبادئ والواقع، وأن سورية ماضية بكل حزم في دعم مقاومة الشعب الفلسطيني البطل. ولعل هذا الموقف هو من أقوى المواقف التي جاءت في الخطاب، فالرؤية العروبية الاستراتيجية الثاقبة للرئيس الأسد تتعالى بحس نضالي وأخلاقي رفيع عن صغائر الأمور في تعاملها مع القضايا القومية، ولاسيما قضية فلسطين. وهذه الرؤية المبدئية والواقعية في آن واحد تمنع تغير اتجاه البوصلة السورية المركزة دائماً على فلسطين، مهما كانت الأسباب، ومهما أخطأ هذا الطرف الفلسطيني أو ذاك بحق سورية، ذلك أن فلسطين، في النهاية، ليست فصيلاً أو حزباً. إنها أكبر من ذلك بكثير، إنها قضية الأمة، وقضية العروبة والإسلام، وقضية سورية مثلما هي قضية فلسطين.
ويدرك الذين يفهمون السياسة ويقرؤونها بشكل موضوعي أن المواقف القوية التي حفل بها الخطاب، ولا سيما مواقف التمسك بالثوابت الوطنية والقومية، والمضي في مواجهة الغرب الاستعماري وأدواته الرجعية والإرهابية، طالما استمر في استهداف الدولة الوطنية السورية والأمة العربية، أن هذه الدولة لها من مقومات الصمود المادية والمعنوية والتاريخية والثقافية الشيء الكثير، مما يجعلها قادرة على ذلك. لكن هذه القدرة قد تبدو لغزاً محيراً في نظر البعض، ولاسيما قصار النظر والمسكونين بأوهام القوة والغطرسة العمياء. فلهؤلاء وأمثالهم قالها الرفيق الأسد بكلمات مدوية: «البلاد ليست بمساحتها أو عدد سكانها أو أموالها ونفطها، البلاد ببعدها الحضاري الثقافي، وبدور شعبها التاريخي وبالسيادة والإرادة لمواجهة تحديات الحاضر ولصناعة المستقبل».
< تطرّق الخطاب إلى الشؤون الداخلية فحدّد الأولويات وأكد على ما هو مطلوب في المرحلة المقبلة. كيف تقرؤونه من هذه الزاوية ، وأين سيكون موقعه من أدبيات الحزب ؟.
<< في الحقيقة الخطاب أغنى من أن نستطيع الإلمام به كله في هذا المقام ، فقد أتى تتويجاً لإنجاز شعبي وطني في مرحلة من أصعب مراحل التاريخ السوري والعربي ، وما ذكرته هو إضاءات على بعض الأفكار، والمواقف المهمة التي حملها، وسيكون من أولويات عملنا في قيادة الحزب أن نعمل على شرح الخطاب، وتحليله بالتفصيل، كمرجع جديد من مراجعنا الفكرية والسياسية، كما سنعمل على استخلاص التوجيهات التي تضمنها في مختلف المجالات الداخلية التي تطرق إليها، وترجمتها إلى خطط عملية للتنفيذ، وبالعودة إلى سؤالك، يبرز في المقدمة تأكيد الخطاب على أن الحلول الناجعة هي حلول سورية بحتة، وأن انتظار انتهاء الحرب من الخارج وهم، فالحل هو بمسارين متوازيين: ضرب الإرهاب، والقيام بالمصالحات الوطنية، وهذه الأخيرة لا تحل محل الحوار الوطني الشامل، أي الحوار حول مستقبل الوطن، وشكل الدولة، وعلى أن يقتصر هذا الحوار على القوى الوطنية فقط.
يأتي بعد ذلك التأكيد على معالجة العامل الداخلي، والتركيز على تطوير المجتمع على أساس الأخلاق، إضافة إلى القوانين، ومكافحة الفساد، وإنجاز الإصلاح الإداري، وتطوير منهاج التعليم، وتطوير المؤسسات الدينية التعليمية، وتفعيل دور الإعلام الاستقصائي، مع التركيز على دور المجتمع والأسرة كقاعدة لمكافحة الفساد، وإنتاج المجتمع المنشود، واعتبار هذه المكافحة أولوية في مؤسسات الدولة والمجتمع ككل ويحق للبعثيين اليوم أن ينظروا إلى الأمور من هذا المنظار ، فهم بالتجربة الديمقراطية أصبحوا حزباً حاكماً، وبحكم الواقع فلا بد من تعزيز تجربتهم الرائدة كحزب قائد طالما تطلع إليه أحرار الوطن والأمة .
أوضح الخطاب أيضاً أن إعادة الإعمار هي عنوان اقتصاد المرحلة المقبلة، وأبرز أهمية ترميم القطاعات المكملة والداعمة له، ولاسيما الأعمال الحرفية، والصناعات الصغيرة، والمتوسطة، وأكد الخطاب في خلاصته أن ما يميز المرحلة الجديدة هو الإجماع على حماية الوطن، وإعادة بنائه أخلاقياً، ونفسياً، ومعنوياً، ومادياً، ما يحتاج إلى علاقة تفاعلية بين الشعب وحكومته، وتعزيز العمل المؤسساتي، عبر تكافؤ الفرص، وإلغاء المحسوبيات، واستبدال ثقافة التقاعس، والسلبية، والفردية بثقافة المبادرة، والتعاون، والغيرية، وأكد الخطاب أيضاً أن الحروب تفرض وقائعها على الأرض، ولابد من تحديد الأولويات، ولاسيما قضايا شهداء الجيش، وضحايا الإرهاب، والمخطوفين، والمفقودين، والمهجّرين، باعتبارها أولويات لا يجوز القفز فوقها بأي حال. هذه الأمور جميعها على مؤسسات الحزب القيادية والقاعدية أن تجعلها برنامج عملها الدؤوب حتى نبني وطننا من جديد ، ويكون للحزب دوره الإيجابي والمعهود في مرحلة البناء هذه .
< ما المطلوب الآن بعد الخطاب، وكيف تنظرون إلى إمكانية تنفيذه على أرض الواقع؟.
<< المطلوب هو الانكباب السريع على تحويل الخطاب إلى خطط عملية، والانتقال مباشرة إلى تنفيذه، فهذه اليوم مهمة حيوية، وهي في اعتقادي مهمة وطنية بامتياز، لابد أن يكون حاملها وطنياً عاماً وليس حزبياً فحسب ، أي أن يشمل الدولة كلها حكومة، ومجتمعاً مدنياً بمختلف مكوناته السياسية، والشعبية، وسنعمل من جهتنا بكل جد على أن يكون لحزب البعث العربي الاشتراكي دور فاعل ورائد في تنفيذ هذه المهمة.. إنها فعلاً أولويتنا الوطنية اليوم، وسورية في ظروفها الراهنة لا تملك ترف التأخير أو التقصير في إنجازها، ويبرز هنا بشكل خاص دور الحامل الوطني الذي أشرت إليه، لأن نجاح عملية التنفيذ المرجوة يتوقف على مدى وطنية، وديناميكية، وكفاءة، واستقامة ذلك الحامل، ما يجعل من صوابية ودقة اختياره ضرورة، وضمانة لحسن التنفيذ. ولعل أهم ما يتطلبه نجاح هذه المهمة أيضاً هو تحقيق أوسع مشاركة دولية، ومجتمعية، وحزبية في تنفيذها، وتفعيل منظومة الرقابة، ولاسيما البرلمانية، والإعلامية، والشعبية، والحزبية على حسن سيرها، وتفعيل مبدأ المحاسبة الرادعة على الخطأ والتقصير، فبهذا وغيره مما لا يتسع له المجال، يمكن التغلب على الصعوبات، والسلبيات التي ستعيق ترجمة الخطاب إلى واقع عملي، ولاسيما أن تلك السلبيات أصبحت في بعض المفاصل بنى مستعصية تحتاج إلى معالجات صارمة، ولنتذكر خطاب القسم الأول للسيد الرئيس عام 2000، والذي وضع أسس استراتيجية عامة للتطوير كانت البلاد أحوج ما تكون إليها في ذلك الحين، فقد حظي الخطاب باهتمام إعلامي، وسياسي منقطع النظير، حتى أصبح شعار التطوير والتحديث على كل لسان، ولاسيما ألسنة المسؤولين على اختلاف مواقعهم، ومراتبهم، ليتبين بعد ذلك أن وتيرة التنفيذ لم تكن مرضية، وأن قوى الفساد، والبيروقراطية، والانتهاز التي بحت حناجرها بالهتاف بذلك الشعار قد استمرت في ارتكاباتها.. ولو قيض لتلك الاستراتيجية الطموحة أن تأخذ طريقها إلى التطبيق الكامل والجيد، لما توفر للعدوان الخارجي على سورية العامل الداخلي المساعد، أو لكان هذا العامل أضعف بكثير مما ظهر.
من هنا فإن جزءاً مهماً من دورنا الحزبي في المرحلة المقبلة سينصب على تحقيق كل مايلزم من إجراءات، وتوفير السبل اللازمة لتنفيذ خطاب القسم 2014 أحسن تنفيذ، والتصدي لإزالة مختلف الصعوبات الذاتية والموضوعية التي تعيق هذه العملية. ولن نسمح، بأي شكل من الأشكال، بالتقاعس أو الخطأ أو التقصير في هذا المجال. فالمهمة كما ذكرت مهمة وطنية ملحة، يتوقف على نجاحها مستقبل سورية وإعادة إعمارها اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً…
وأنا متأكد أننا سننجح، ولاسيما أن الملايين التي صوتت للرفيق بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية التعددية، بمن فيهم رفاقنا البعثيون، تقف بكل قوة وحماسة مع البرنامج الوطني الشامل الذي حدد خطاب القسم ملامحه، وتشكل تياراً شعبياً وطنياً عريضاً داعماً لهذا البرنامج. تيار جارف سيجرف في طريقه المعوقات والصعوبات، مهما كبرت وأينما وجدت.
< مر عام من عمر القيادة الحالية. كيف تقومون عملها، وعمل الحزب عموماً، وما الإنجازات التي تحققت في هذه الفترة على مختلف الصعد؟
<< أفضّل أن أترك لغيري عملية تقويم عمل القيادة، ولاسيما مايتعلق بالإنجازات التي أشرت إليها. وذلك لأنني أعتقد أن ماتحقق، مهما بدا جيداً، ليس كافياً، وإنما نحن بحاجة إلى تحقيق المزيد، ولاسيما في الوضع الراهن الذي تعيشه سورية، والذي يتطلب عملاً مضاعفاً وجهوداً مضاعفة. ثم إني أعتقد أيضاً أن الإنجازات المهمة والكبرى هي تلك التي تتحقق من خلال التراكم الكمي الذي يؤدي إلى التغيرات النوعية المطلوبة. وبهذا المعنى فإن مدة عام واحد ليست كافية لإحداث مثل تلك التغيرات، ولاسيما في هكذا ظروف . لكن هذه المدة، قد شهدت من جهة ثانية، بذل عمل جدي ومكثف في مختلف المجالات الحزبية التنظيمية والسياسية والفكرية والاجتماعية والميدانية.. وقد أفضى هذا العمل، بطبيعة الحال، إلى نتائج سيؤدي تراكمها في المستقبل إلى تحقيق مانأمله، وماخططنا له من تطوير بنيوي عميق للحزب.
من هذه النتائج أن عودة ثقة القواعد والجماهير عموماً بالحزب قد بدأت على خلفية مابُذل من جهد لبناء علاقة تفاعلية معها، ولاسيما من خلال الزيارات الميدانية واللقاءات المباشرة. ومنها أيضاً أن الروح النضالية التي تميز بها الحزب عبر تاريخه، وبهت بريقها (لأسباب ذاتية في جزء كبير منها للأسف) قد بدأت هي الأخرى باستعادة ألقها، بعد ما اتخذناه من إجراءات تنظيمية دقيقة، صححت عملية الانتساب للحزب بأن جعلت منها عملية فعلية وشفافة تركّز على النوع بالدرجة الأولى. ومن هذه النتائج تنامي دور الحزب في الدفاع عن الوطن ضد الإرهاب التكفيري، على الصعيد الميداني كرديف للجيش العربي السوري الباسل، وعلى الصعيد الفكري والسياسي والإعلامي، حيث يتصدى الحزب لتفنيد المرتكزات الفكرية والثقافية للإرهاب، ونشر الفكر التقدمي والتنويري البديل، ومنها الحراك الفكري الداخلي في إطار ما تمّ من إعادة اعتبار للفكر والثقافة، وما أُحدث في سبيل ذلك من منتديات وملتقيات، وتطوير عمل مدارس الإعداد، وإزالة كل العقبات في وجه الحوار الفكري والسياسي داخل الحزب. ومنها تعزير العلاقات مع الأحزاب الوطنية في سورية بما يوحد الجهود في خدمة القضايا الوطنية، وهو ماتم من خلال تكثيف اللقاءات والحوارات معها، ومساعدة الأحزاب الناشئة منها ودعمها. ومنها انطلاق الحزب إلى ممارسة دوره القومي على خلفية تفعيل علاقاته بالأحزاب والهيئات والمنظمات والشخصيات العربية، والعمل على إعادة الألق للنضال القومي العربي ودعم حوامله الشعبية. ومنها عودة البعد الاجتماعي بقوة إلى عمل الحزب من خلال انخراط قواعده في العمل مع المواطنين وبينهم لمعالجة الصعوبات الخدمية، والمساعدة في توفير احتياجات المواطنين المتعددة. ومنها نهوض الإعلام الحزبي، كما برز بشكل خاص في أداء الوسائل الإعلامية في دار البعث، ولاسيما الصحيفة، وهذا ماتم على خلفية تعزيز الدور الرقابي للحزب، وتفعيل حرية الرأي والنقد فيه…
ذكرت كل ذلك على سبيل المثال لا الحصر، لأن الحديث عنه يطول، ولأن المهم في رأي، وكما ذكرت سابقاً، أن هذا يعكس بداية حقيقية لدور وطني فاعل يقوم به الحزب، ويُنتظر أن يشهد تطوراً تصاعدياً مهماً في المستقبل، ليمتلك الحزب من خلال هذه العملية كل المقومات والمؤهلات التنظيمية والفكرية والسياسية والنضالية اللازمة، ليكون الحامل النموذجي للمشروع النهضوي العربي ببعديه الوطني والقومي، حيث يبرز في البعد الوطني على نحو خاص أهمية دور الحزب في تطبيق برنامج خطاب القسم كما أكدت سابقاً أيضاً.
وفي اعتقادي، وأقولها بكل تواضع إن أهم ماحقّقناه هو عملنا المستمر على إعادة الاعتبار لأخلاق البعث، ذلك أن هذه الأخلاق هي الركيزة الأساسية لكل تطوير حقيقي للحزب، كما هي ركيزة تطوير المجتمع والدولة مثلما أوضح الرئيس الأسد في خطاب القسم… وأملنا كبير في أن تؤتي هذه العملية أُكلها، في المستقبل القريب، ذلك أن التحصين الأخلاقي، سيقودنا، لامحالة، للتغلب على مابقي من الآفات والأمراض التي تضعف جسد الحزب وتعيق دوره المأمول في بناء نفسه وبناء المجتمع والدولة ، وسيجعل من حزبنا القدوة السياسية الوطنية والقومية الحقيقية. بقي أن أضيف أن جهودنا قد تركزت أيضاً على تجديد أساليب العمل الحزبي، لعلمنا أنه لا تطوير حقيقياً للعمل بالأساليب البالية والمهترئة، وأننا أعدنا الاعتبار إلى ما سمّاه البعض “فقه الآليات” وعدّه مفتاح النهوض الشامل للأحزاب، وخرجنا إلى حدّ ملحوظ من الأساليب النمطية التي تجمد العمل وتقتل المبادرة، لكن هذا لم يكن ليتحقق لولا التصميم على تغيير الذهنية المتحجرة التي أثقلت كاهل البعث وأغلقت في وجهه آفاق التطور لمدة ليست بالقصيرة، والانطلاق بذهنية عملية ديناميكية هي بمثابة ولادة جديدة. ويأتي اليوم خطاب القسم للرفيق الأمين القطري للحزب السيد الرئيس بشار الأسد دافعاً جديداً ومتميزاً للعمل الحزبي على المستويين التنظيمي والفكري ، وقد بدأت قيادة الحزب منذ اليوم الأول للخطاب بوضع برامج وآليات استلهامه ليكون موضع التنفيذ ، وسنرى قريباً المنعكسات الإيجابية لذلك في عمل الحزب والمنظمات والنقابات .