ثقافة

المسحراتي أبو علاء والنابغة الذبياني ومن بقي من النائمين

مرّ اليوم الأول ولم أسمع صوته، مر اليوم الثاني والثالث أيضاً، وها نحن في أواخر الشهر الفضيل، ولم أره أو أسمع صوته.
أبو علاء “يحيى”، هو من انتظرته هذا العام كغير عهدي، تعرفت إليه في رمضان الفائت، عندما آنس وحشة ليل طويل “بطيء الكواكب، كما وصف النابغة الذبياني لأميمته وحشته  وما يقاسيه في ذاك الليل”، صوت طبلته المحبب وصوته الجميل وهو ينادي: اصحى يا نايم.
الواقع أن الشعور بالأنُس والأمان الذي منحني إياه صوته وسيره ليلاً بين أزقة دمشق وهو ينادي لجميع الناس، أعادني للحظات إلى تلك الأيام الخاليات، عندما كان الأمان كالهواء نتنفسه ولا نشعر بأنه من يبقينا على قيد الحياة.
حقا إننا جاهلون وجاحدون لنعمة، كانت بين أيدينا كما لو أنها تفاحة في قبضة الكف.  صرت أنتظر تلك اللحظة كل يوم، أن يطل أبو علاء وتبدأ طبلته بالدوران كالدراويش، تدور وتدور ومنها تطير أنوار ونجوم وأشخاص يقرؤون القرآن وآخرون يعدون طعاماً بسيطاًَ، أطفال يستيقظون مع أهلهم، ليعيشوا تلك اللحظات الساحرة، صبح أليف سيطلع قريباً، وعيد يقف على الباب بثياب جديدة و”خرجية” تفرح قلب الطفل. تلك الصور التي طيرتها طبلة المسحر “يحيى”، في ليلي الطويل، دفعتني للتعرف إليه، ضحكت يومها كثيراً بسبب طريقة تعارفنا، عندما أعطاني كرت فيزيت، مكتوب فيه: أبو علاء – المسحر الرسمي لهذه المنطقة، وعلى الكرت أيضا صورته الشخصية ورقم هاتفه، ولم أفهم حينها لماذا يضع رقم هاتفه؟ هل يتوقع مثلاً أن يطلبه أحد ما كمسحر دليفري! ضحكت من الفكرة، وعزمته على كأس شاي.  انتظرته كما قلت لكم هذا العام ولكنه لم يحضر، سألت الجيران إن كانوا سمعوا صوت المسحراتي وصوت طبلته، إلا أن أحداً ما لم يسمع، صرت أسهر ولا أنام إلا عند الفجر لأنتظره وأراه، ولم يحدث ذلك.
تذكرت أنني أحمل البطاقة التي عرفني بها على نفسه، وهو يرتدي زيه التقليدي المحبب، بحثت عنها في محفظتي وفي أماكن أخرى أحتفظ فيها عادة بمثل هذه الأشياء دون جدوى، إلى أن وجدتها أخيراً في أحد رفوف المكتبة، عندما رأيت صورة أبو يحيى ورقم هاتفه أدركت كم كنت ساذجاً عندما ضحكت واستغربت، أن يضع أبو علاء رقم جواله على الكرت، حاولت الاتصال به، لكن رقمه خارج التغطية! أين أنت يا رجل.
أردت أن أقول له شكراً، شكراً من القلب أيها السوري الطيب، أتمنى أنك ما زلت بخير، سأنتظرك العام المقبل، فأنا واثق من عودتك للنداء، أن اصحوا أيها النيام، اصحوا أيها الغافلون، كدتم تضيعون الوطن.
تمام علي بركات