الفنان إبراهيم دندل لوحاته رسائل تدمرية خالصة
شهدت مدينة تدمر السياحية خلال تسعينيات القرن الماضي حركة اقتصادية وثقافية نشطة كان أساسها نمو حركة سياحية وترويجية كبيرة، كما ترافق مع العديد من النشاطات الفنية المتنوعة، حيث أقيمت العديد من الملتقيات الرياضية والمهرجانات السياحية التي تعنى بفنون الصحراء، كما شهدت العديد من المعارض والملتقيات التشكيلية التي اكتسبت الأهمية من خلال تاريخية المدينة والأسماء التي شاركت في تلك الملتقيات، كما برزت مجموعة من الأسماء الفنية وهم من أبناء المدينة الذين بدأت أعمالهم بالانتشار على أساس أنها تروج لتدمر وزنوبيا والآثار المعروفة والدالة على هوية المدينة التاريخية ومنه تروج للفن السوري التدمري على مستوى العالم، ولم تكن هذه الأعمال ذات مدلول ترويجي أو دعائي تاريخي بحت بل إن البعض منها تميز بأسلوب خاص في التقنية والموضوع وأضحى جزءاً من التاريخ الفني التشكيلي واحتل حيزاً مهماً في الموجود التشكيلي السوري ويشار له بالبنان. ومنهم الفنان إبراهيم دندل الذي يستعد هذا العام لإقامة معرضه الفردي في صالة الشعب خلال هذا الموسم التشكيلي في صالة اتحاد الفنانين التشكيليين بدمشق– صالة الشعب- .
ويعرف عن الفنان إبراهيم شغفه بفن الحفر والطباعة وله من الدراية بهذا الفن ما يجعله الفنان الحفار سواء بتقنية كليشة المعدن أو الخشب أو التيبو غراف والنسخة الوحيدة، وله من الجهد المميز عند العديد من الفنانين التدمريين في جانب الترويج والسعي في إقامة المعارض الجماعية والتواصل مع بقية الفنانين، لما يتمتع به من دماثة في الخلق ولطف الحواس التي تتجلى في لوحاته المنتجة بوعي أدبي وتشكيلي معاً، فهو الفنان الذي يأخذ دور الراوي في اللوحة من خلال السرد البصري الغني الذي يملأ عالمه التشكيلي والميثولوجي، فأقواس المدينة التي يرسمها هي نصف دائرة من البلاغة والعمارة والسيرة. ومن الأسئلة الخفية عن أولئك الذين شيدوا وحاربوا ومروا منتصرين تحت أقواس مدينتهم العالية كالشمس والغنية بالفنون والحكمة، ولا تخلو لوحة من لوحاته من هذه الرمزيات وعبق الأسطورة والتاريخ، إضافة إلى قدرة الفنان على التجريب والتحوير واختلاق كائناته الخرافية والرموز الدالة على مضمون بعيد في التاريخ وله من المشابهات الكثير، فالحصان المجنح ذو القوائم الطويلة ورقبة الديك ورأس الرجل هذا التأليف الذي ينتمي إلى جغرافيا تاريخية تقع بين الرافدين والنيل، وهذا التعامل الفني معها يذكرنا بأعمال الفنان الفلسطيني الراحل مصطفى الحلاج، لكن الفنان دندل يدخل متلقي أعماله في عوالم البهجة والوقوع ضمن دائرة الحكاية والتاريخ والتشوف بعين المنتمي وباعتزاز بالغ بوطنه الصغير والتاريخي تدمر، وبوطنه العريق سورية الجميلة. فهو ابن ثقافتها تعلم وتشرب من تاريخ يسكن الفنان على بعد صوت منها، فلا تكاد تخلو لوحة من كتابة أو صورة ناقة أو تاج عمود أو قوس نصر أو ميدالية تمثل رأس زنوبيا الملكة العظيمة، فالمرأة في أعماله لابد من أن تكون الملكة زنوبيا.
هذا الكل المؤلف للوحة والمشغول بتقنية الحفر يجعل من لوحاته رسائل تدمرية خالصة يغمرها السلام ويزينها المجد وتشهد لها عظمة أوابدها ومحبة أبنائها الطيبين.
وبالعودة إلى المعرض المرتقب والأهمية التي يحملها لكونه الفنان القادم من محافظة أخرى ويعرض في العاصمة وفي صالة اتحاد الفنانين الذي يحتفي بكل التجارب المبدعة المتوزعة على مساحة الوطن.
أكسم طلاع