تصاعد مجازر «الربيع العربي»
غزّة تُذبح بسكين «الربيع»، وماينزل بها اليوم ثمرة من ثمار التقارب السعودي الإسرائيلي الأخير، بينما الورقة المصرية الحائرة التائهة مُحالة إلى «كبير العرب وحكيمهم»؟! إنها الورقة التي يكفيها عاراً تأكيد كيري بالأمس أنها الإطار الأساس لأيِّ تهدئة.
ويبدو أنَّ دماء الغزاويين أقلُّ حرارة من مراوغات «الائتلاف» الذي انتفضت وغضبت لخونته «الجامعة العربية»، ومجلس التعاون الخليجي، والاتحاد الأوروبي، واتحاد القرضاوي والإدارة الأمريكية… هؤلاء اليوم صار واضحاً أنَّهم يخضعون بصمتهم المريب للرؤية الإسرائيلية، بينما المجتمع الدولي، والإقليمي يجني حصاده المُبتغى والذي كان خفياً قصداً على البعض، فها هي المواجهة تنجلي لتسفر عن المقاصد الأساسية «ربيع تمكين المشروع الصهيوني».
والحقيقة أنَّ «الربيع» كان ولا يزال انقضاضاً على ماأثبتته الأحداث، ورسَّخه الصمود العربي السوري الدائم برؤية استراتيجية واضحة، وبمبادئ وثوابت لا تُنكر مفادها أن المقاومة هي الخيار الأقوى أمام العروبي في هذا الزمن الصعب، لذلك كان من أهداف هذا الربيع وأشباه رجالاته تقويض هذه المقاومة واستهداف حواملها وروحها وثقافتها ونهجها الذي كانت وستبقى سورية مرتكزها الأهم ولاسيَّما بعد كامب ديفيد17/9/1978.
وسيكتب التاريخ أنَّ مااصطلح الغرب والرجعية العربية على تسميته «الربيع العربي» لم يكن بالمحصلة أكثر من سكين للذبح يشهرها هؤلاء في وجه الحقوق التاريخية والآمال المستقبلية التي تنشدها الأجيال الوطنية والعروبية الحرّة، فها هو النصل ينغرز اليوم في أعماق غزَّة، وفي أعناق الأطفال والنساء والشيوخ في أكثر من مدينة عربية، ومن قطر عربي.
فمَن مِن العرب اليوم ينتفض ويتأثر لدماء أكثر من 4500 شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء في غزَّة؟!، إنَّه «الربيع» الأبعد من دمشق والقاهرة وطرابلس وتونس وبغداد وصنعاء وغزة…، الممتد عبر التاريخ والجغرافيا ليعصف بالعروبة وبالإسلام، بالحقوق والمصير والعيش المشترك، ولن تكون مجزرة الشجاعية أقلّ وطأة من مجازر برنار ليفي وأردوغان وابن سعود وابن ثاني في تلك البلدان «الربيعية».
مَن اليوم يملك مبادرة على غرار المبادرات العديدة السابقة لنبيل العربي الذي غاب صوته وانفعاله لغياب من يدفع به وله، ومعه أردوغان وابن سعود وابن ثاني؟، لا شكَّ في أنَّ صمود أبناء غزة وتصاعد روح المقاومة ثقافة ونهجاً أسقطت لديهم روحَ المبادرة «المؤامرة» التي لم يعد ممكناً للإدارة الأمريكية وللاتحاد الأوروبي وللإسرائيليين الإقدام على صوغها وإملائها بعد تسلسل المفاجآت بازدياد مدى الصاروخ الوطني والعروبي ليطال الأرض المحتلة كلها، وبفشل القبة الحديدية، ثم بتعميم حالة الانهيار التي صدمت الجيش الإسرائيلي، والمجتمع الصهيوني في الأراضي المحتلة وفي غيرها، فمن سيبادر اليوم لينقذ الموقف الإسرائيلي، والى جانبه الطروحات «الربيعية»؟.
لقد آمن العروبيون أنَّ الحق التاريخي الذي طال الركون إليه لم يعد الآن أقوى من آلة العدوان الإجرامية الشرسة والتي يصعب تنحيتها في هذه المواجهة، ويزداد إيمانهم أنَّ نهج المقاومة لم يكن حديثاً للسياسة والمتاجرة، بل هو فعل ناجز على الأرض يفضح أخلاقياً ودينياً عصابات «الجهاد» العابر والجوّال التي راهن عليها رعاة ودعاة «الربيع»، فليس العبور الى غزَّة أيها الإرهابيون بمستحيل.
«ولكي نعرف الجواب، لا بدَّ أن نعرف أنَّ مايجري اليوم في غزة أيها السادة ليس حدثاً منفصلاً أو آنياً، فمنذ احتلال فلسطين وصولاً إلى غزو العراق ومحاولات تقسيمه وتقسيم السودان… هو سلسلة متكاملة… مخطِّطُها إسرائيل والغرب ومنفِّذُها كان دائماً دول القمع والاستبداد والتخلف… لأنَّ مايجري في سورية والمنطقة مرتبط بشكل مباشر بفلسطين».
هذا من أهم ماأكده القائد الأسد في خطاب القسم على المستوى الوطني والعروبي.
د. عبد اللطيف عمران