اقتصادتتمات الاولى

شحّ المياه يصل إلى زراعات المناطق الأوفر حظاً بالهطل والتأقلم مع المتوفر سقف الحلول المستيقظة بعد جفاف المصادر

تسجّل الاختناقات التي عانى منها قطاعنا الزراعي في معظم مراحله لمصلحة إعادة الألق إليه، وخاصة أن هذه الانتكاسات كان وراءها الخطط غير المحكمة والاستخفاف بحجم ودور هذا القطاع، إلى أن أعادت الأزمة الحسابات وجاءت به إلى صدارة الأولويات بعد أن ركن في أسفلها.
لكن رغم كل ما حدث له ويحدث جاءت إضافات جديدة لتزيد في “الطنبور نغماً” هذا العام، لجهة احتباس الأمطار والجفاف الذي لم يُشهد له مثيل منذ ثمانية عقود ونيف، وعلى اعتبار أن كل إنذار بحدوث خطب ما تقابله ردّات فعل وإن كانت بالحدّ الأدنى لتلافي عواقبه، استفاق هذا القطاع على “جعب” المعنيين الخاوية من أي حلّ لتدارك ما أمكن من معضلة الجفاف ووبالها على القطاع المأزوم أصلاً، أو حتى من إجراء إسعافي يحدّ من هولها.

جرس
الآن بدأت الأصوات تطلق من هنا وهناك لإغاثة ما بقي لنا من مواسم زراعية يعتمد عليها سكان مناطقها في معيشتهم وتشكل عاملاً مثبّتاً لهم فيها من جهة، ودخلاً لا يزال يعوّل عليه في خزينة الدولة من جهة أخرى، أي إن ما تبقى من هذه الزراعات أصابه القحط والذبول ويبدو أنه “يعيش” بعلاً مترقباً ما يصدر من قرارات عن جهات أعلى منه علها تتحمل المسؤولية وتجود بالموجود.
ومن المؤسف رؤية الزراعات والمواسم “تذوي” أمام أعين زارعيها، في غمرة “نعاس” الجهات التي من المفترض أن تكون قد “أعدّت العدة” لمنع حدوث هذا “العطش الزراعي”، ومن المؤسف أكثر أن نرى زراعات المناطق التي تتجاوز فيها هطلات الأمطار المعدل السنوي يصيبها العطش، ولا تزال الإجراءات الإنقاذية في طور تجميع الأفكار وترحيل الرؤى الناجعة إلى حين توفر “الاعتماد”.

اجتياز
لم يكن هناك استدراك لأخطار مشكلة الجفاف في السنوات السابقة عبر استثمار هطلاتها في السنوات اللاحقة كإجراء “حصاد المياه” عن طريق إقامة السدات المائية في بعض المناطق ويستفاد منها في الاستقرار المائي فيها، ومحافظة اللاذقية أنموذج صارخ للتقصير في الإجراءات الوقائية، وخاصة عند “إجراء المقارنة بين المعدل السنوي لهطل الأمطار البالغ عادة بين 6-7 مليارات متر مكعب، وبين حصيلة الزراعات التي تخرج منها سنوياً والعطش الذي تعاني منه هذه المزروعات خلال الموسم الحالي، وبين الإجراءات المتخذة لتلافي ذلك.
حيث اعترفت مديرية الزراعة مؤخراً بتقصير السياسات المائية لجهة حصاد المياه، وبيّنت أنه “كانت هناك دراسة لإقامة 220 سدة مائية على مستوى المحافظة، 68 منها دراستها مكتملة، لكن بسبب الأحداث والظروف العامة تم إيقاف موضوع السدات المائية”.
وتؤكد أنه “لو أنجزت هذه السدات لكانت قد خففت نسبة 80% من المشكلة الناتجة عن الجفاف الحاصل بسبب الانحباس المطري الذي شهده موسم العام الحالي، ولكانت السدات قد غطّت المحافظة بأكملها”.
وتوضح المديرية في تصريحاتها: رغم أن “أصل الكمية الإجمالية للهطل السنوي التي تصل الى 7 مليارات متر مكعب فإن كمية التخزين السنوية في السدّ لا تتجاوز 4 ملايين متر مكعب، علماً أنه كان قد تم خلال العام الماضي رصد 64 مليون ليرة لإقامة سدة مائية في قرية الدفلة في رأس البسيط، وحسب تعليمات مجلس الوزراء ألغي الاعتماد، لكن هذا العام ونتيجة ظروف الجفاف الحاصلة والمتابعة الحثيثة من مديرية الزراعة والجهات المعنية ومع وزير الزراعة ورئيس مجلس الوزراء هناك وعود برصد الاعتمادات لإقامة سدتين إحداها في قرية الدفلة، والأخرى في القرداحة، ليعاد بعدها تمويل السدات المائية خلال العام القادم، حيث من المتوقع تمويل السدات بمعدل ثماني سدات سنوياً، وذلك نظراً لما للسدات المائية من آثار إيجابية بيئية واجتماعية، حيث تعتبر من أهم المشاريع على مستوى المحافظة في مجال حصاد المياه، وفي مجال المحافظة على التربة من التدهور والانجراف نتيجة تضاريسها القاسية”.

خام
“بسبب تعاقب موجات الجفاف على سورية خلال العقدين الأخيرين وتزايد حدّتها وتكرارها، سعت وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي إلى إيجاد إطار عملي لمواجهة الجفاف على أسس علمية ممنهجة –وفق المديرية- وأحدثت مديرية صندوق الجفاف والكوارث الطبيعية على الإنتاج عام 2011″، وكان هناك مشروع تأسيس نظام للإنذار المبكر عن الجفاف في مناطق البادية بالتعاون مع منظمة الفاو في أيلول 2004 واستمر التعاون مع الفاو في هذا المشروع حتى نهاية عام 2006 وتم خلاله اختيار وتدريب الكوادر الفنية الأساسية في مقر المشروع بدمشق وفي المحافظات المعنية  وتعزيز القدرات الوطنية لتأسيس وتشغيل نظام الإنذار المبكر عن الجفاف على قاعدة الاستدامة.
وللعلم في عام 2012 تجاوزت الهطلات المطرية في معظم المحافظات المعدل السنوي، أي إن الإمكانية بالتحضير لتلافي تبعات الجفاف على الموسم الحالي كانت موجودة على الأقل في حدودها الدنيا لو كان هناك عمل فعلي على الأرض، وتكامل بين الجهات الدارسة و”المنذرة” وبين الجهات التنفيذية.
أما الإجراءات التي تؤخذ اليوم للتصدي لظاهرة الجفاف العام الحالي “فتتجسد بوضع خطط للتأقلم مع كمية المياه المتوافرة، والتعويل على ثقافة هدر المياه لدى المواطن الذي لم يتقنها بعد”، والاكتفاء بعنوان “التأقلم” بدلاً من التحرك السريع لإنقاذ المزروعات من الزوال.
يحضر الشك في إمكانية الارتقاء بقطاع حيوي بكل ما للكلمة من معنى عند رؤية مستلزماته آخذة في الارتفاع وعند حساب تداعيات الأزمة الراهنة على معطياته، مضافاً إليها الجفاف، وكل ذلك أمام قصور الإجراءات التي لم تنضج بعد لتتكفل بدفع عجلة الزراعة إلى الأمام.

دمشق – سامية يوسف