التضخّم بدّد الكثير من بهجة العيد والرهان محكوم بانتظار برامج ورؤى الحكومة المقبلة لقلب المعادلة..
يبدو أن مواسم الأعياد والمناسبات السعيدة لم تعُد تحمل البهجة إلى المستهلك كما كانت سابقاً، وذلك على اعتبار أن ضريبة مثل هذه المناسبات باتت كبيرة جداً وتفوق القدرة المادية للمواطن، وخاصة في ظل محدودية الدخل توازياً مع التضخم الذي بلغ نسباً كبيرة، ما يفتح المجال لاستفسارات كثيرة، واستقراءات أكثر، حول نهج حكومتنا المرتقبة، وما يمكن أن تقدم من برامج ورؤى تتناسب مع مقتضيات المرحلة، وفي هذا السياق يمكن القول: إن تعاطي حكومة تسيير الأعمال الحالية مع مفرزات الأزمة لم يكن بالمستوى المطلوب سواء على المستوى الاقتصادي أم على المستوى الاجتماعي، إذ يمكن تصنيف أداء وزاراتنا ذات الطابع الخدمي والاقتصادي ضمن ثلاث خانات (فاعل – منفعل – قليل الأثر والتأثير)، ولعل الكهرباء -على سبيل المثال لا الحصر- تتصدّر القائمة بكونها الأكثر فعالية، تليها التجارة الداخلية التي تتعامل بردات الفعل الصادرة عن الأسواق لتصنّف في خانة المنفعل، في حين تندرج بعض من الوزارات الأخرى في خانة قلة الأثر والتأثير ربما لارتباط عملها بعوامل الأمان المطلق، وهناك وزارات أخرى خرجت من هذا التصنيف لانعدام الفعالية.
توجّس مريب
بالعودة إلى المواسم وقضّ مضاجع المستهلك، لا يختلف موسم عيد الفطر هذا عن سابقه من جهة ارتفاع الأسعار وتوجّس أرباب الأسر من ضائقة مالية وشيكة، مع شبه غياب لآليات التدخل الحكومية لضبط ما يمكن ضبطه من أسواقنا ولجم أسعارها التي لا ترحم.
فالحلويات التي تتربّع على عرش مصاريف العيد ارتفعت أسعارها هذا الموسم في أسواق دمشق بنحو40% مقارنةً مع الأعوام الماضية، وذلك نتيجة غلاء أسعار المواد الأولية وأهمها السكر الحر، وبعض مستلزمات الحلويات، ما دفع المستهلك بالنتيجة إلى البحث عن خيارات أخرى لسدّ احتياجاته من هذه المادة كاللجوء إلى صنعها منزلياً بغضّ النظر عن الجودة وما يتطلبه بريستيج العيد.
(الولادي) ينافس (الرجالي)
تحلّ ألبسة الأطفال في المرتبة الثانية كأحد متطلبات العيد، ولا يخفى على أحد مستويات الغلاء التي وصلت إليها هذه المنتجات مقارنة بنظيرتيها الرجالية والنسائية، ولم يعُد مفاجئاً أن يجد أي متسوّق منا -على سبيل المثال- أن سعر معطف لطفل عمره سنتان 6000 ليرة سورية أو يزيد، علماً أن أبعاده لا تتعدى الـ50 سم طولاً وعرضاً، في حين أن نظيره الرجالي الطويل ربما لا يلامس سعره سقف الـ5000 ليرة في أحسن حالاته!.
محاولة ولكن..!
تحاول وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك التدخل في الأسواق عسى أن تحقق أدنى درجات العدالة السعرية –إن صح التعبير- ويسجّل لها قرارها القاضي بتعديل الحدّ الأقصى للربح في إنتاج واستيراد ألبسة الأطفال بكل أنواعها والمسميات من القطاع الخاص، حيث يكون في حالة الاستيراد هامش الربح 12% للمستورد وتاجر الجملة والموزع من تكاليف الإنتاج و28% لبائع المفرق من سعر تاجر الجملة، وفي حال الإنتاج المحلي 22% للمنتج والموزع وتاجر الجملة و28% لبائع المفرق.
كما أصدرت الوزارة نشرة للأسعار الدورية المعتمدة في دمشق، حدّدت بموجبها أسعار الحلويات، بالتعاون مع الجمعية الحرفية لصناعة الحلويات والبوظة في دمشق والاتحاد العام للجمعيات الحرفية، وأوضح وزيرها سمير قاضي أمين أنه لن يتم التساهل في اتخاذ العقوبات الرادعة بحق كل من يتلاعب بالأسعار، ومن لا يتقيّد بنشرة الأسعار الصادرة عن مديريات التجارة الداخلية، وبالمواصفات والنوعية الجيدة لأي سلعة من السلع.
رهن الحلقات
تأتي محاولات الوزارة هذه ضمن إطار توجّهها لبسط سيطرتها على الأسواق وضبطها قدر المستطاع، ولكن تبقى مسألة تنفيذ مثل هذه القرارات ونجاحها على أرض الواقع وتحقيق الأهداف المرجوّة منها ولاسيما القرارات المتعلقة بكبح جماح الأسعار مرهونة بالحلقات الثلاث المعنية (المستورد والمنتج – البائع – الرقابة الصارمة) ومدى صدق نيّاتها في التعامل بحسن نيّة مع المستهلك وتأمين احتياجاته بعيداً عن الاستغلال والجشع.
دمشق – حسن النابلسي