رفح تشهد بدماء أبنائها على "نازية الاحتلال".. وغزة تعرّي "المعتدلين العرب" "اجتماع القاهرة" ينتهي بالاتفاق على ورقة فلسطينية موحّدة.. والمقاومــــة تجبـــر العـــدو علـــى إعـــادة تموضـــع قواتـــه
لا شيء تغيّر في غزة مع استمرار آلة الإرهاب الإسرائيلية في القتل والإجرام بحق الشعب الأعزل، فغزة لا تعرف لوناً إلا الدم، وشوارعها لا تعرف إلا الدمار.
أمس أعادت رفح مشهد شقيقتيها خزاعة والشجاعية، فأكثر من 100 شهيد ارتقوا للعلا، وما تزال أعداد كبيرة تنتظر إما الموت تحت الركام أو يداً رحيمة تنقذها قبل فوات الأوان، مئة وخمسون منزلاً شرق رفح دمرت بشكل كامل، ست مجازر سجلتها إسرائيل بدماء الأطفال والنساء، المستشفى الوحيد في رفح أخلي تماماً تحت التهديد بالقصف، وما لا تستطيع حمله الجبال حملته مستوصفات الولادة غرب المدينة، أما جثامين الشهداء المتزايدة فلم تسعها ثلاجات الموتى فوسعتها أماكن أخرى “برادات الخضار”..
صورة الموت والدمار في رفح وخان يونس والشجاعية تقابلها صورة الأمل التي زرعتها المقاومة في نفوس الناس، فتحت وقع عمليات وصواريخ المقاومة التي كبدت العدو خسائر فادحة بالأرواح والمعدات بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي صباح أمس بسحب عدد كبير من قواته من المناطق الحدودية مع قطاع غزة وإعادة تموضعها خلف المناطق الآمنة الحدودية، فيما علت الأصوات المطالبة بالتحقيق بالأداء السياسي والعسكري الإسرائيلي خلال العدوان من داخل الائتلاف الحكومي.
صمود المقاومة الفلسطينية وتوحد أدائها ميدانياً، بكافة فصائلها، نزع الكثير من الأقنعة عن الأنظمة والقوى الإقليمية وزاد في وتيرة تعريتها وتبعيتها وانقيادها لقرار السياسة الأميركية المعادية لطموحات شعوبها.
إلى ذلك، أكد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في حديث صحفي أن “الأمر المهم الذي حققته إسرائيل خلال العدوان على غزة هو العلاقة المميزة مع دول المنطقة”، واصفاً العلاقات بين كيانه ومملكة آل سعود بالـ “جيدة”، بسبب وجود “مصالح مشتركة بين الطرفين”.
تأكيدات نتنياهو تزامنت مع خروج مفتي آل سعود ومنظر الإرهاب الوهابي بفتوى جديدة حرم فيها المظاهرات الداعمة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل عليه، معتبراً بعبارات صريحة أن المظاهرات التي انطلقت في العديد من الدول العربية والإسلامية لنصرة الفلسطينيين في قطاع غزة مجرد “أعمال غوغائية” لا خير فيها ولا رجاء منها.
أما سياسياً فقد اتجهت الأنظار إلى القاهرة لمتابعة ما ستؤول إليه المفاوضات بين الوفد الموحّد الفلسطيني والجانب المصري في ظل رفض إسرائيل الجلوس على طاولة المفاوضات، حيث رشح عن اجتماع الوفد ورقة موحدة للتفاوض ستبحث مع الجانب المصري، وتتضمن الورقة وقف إطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي الفوري من قطاع غزة، كما تتضمن إنهاء الحصار على القطاع وفتح المعابر وتأمين دخول الأفراد والبضائع، حرية العمل والصيد في المياه الإقليمية إلى حدود 12 ميلاً بحرياً، وإنهاء المنطقة العازلة التي تفرضها إسرائيل على قطاع غزة، والاتفاق على إعادة الإعمار وتأمين المساعدات العاجلة عبر حكومة الوفاق، وإعادة الإعمار من خلال مؤتمر دولي للمانحين تنفذه حكومة الوفاق، التزام إسرائيل بتنفيذ صفقة شاليط والإفراج عن الأسرى الذين اعتقلوا مؤخراً، وأشارت المصادر إلى أن ورقة الوفد الفلسطيني جرى الاتفاق عليها بإجماع فصائل الوفد.
فقد استشهد أمس 58 فلسطينياً، 39 منهم في رفح، وأصيب 230 آخرين، ما يرفع حصيلة العدوان المتواصل على قطاع غزة إلى أكثر من 1800 شهيد وأكثر من 9500 جريح.
وفي مجزرة جديدة، استهدفت قوات الاحتلال مدرسة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الاونروا في رفح، ما أدى لاستشهاد عشرة فلسطينيين وإصابة عشرات آخرين، وسط استمرار الصمت الدولي على الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية للقوانين الدولية.
وأفادت مصادر طبية بأن الشهداء والجرحى وصلوا إلى أحد المشافي في رفح بعد قصف صهيوني غادر لمدرسة ذكور رفح الإعدادية التابعة للأونروا والتي يوجد فيها مئات النازحين الفلسطينيين، فيما أكد محمد أبو غالي رئيس الوفد الطبي الموفد من وزارة الصحة إلى مستشفيات قطاع غزة أن الأوضاع الصحية في قطاع غزة على حافة كارثة إنسانية بسبب استمرار المجازر الإسرائيلية بحق أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل.
سياسياً، دعا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لمحاكمة قادة الكيان الصهيوني أمام المحكمة الجنائية الدولية لارتكابهم جرائم حرب حقيقية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، مؤكداً أن الإجراءات التي اتخذت في نيويورك وجنيف ومجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان لم تكن كافية أبداً، فيما دعا المستشار الأعلى لقائد الثورة الإسلامية الإيرانية للشؤون العسكرية اللواء يحيى رحيم صفوي المسلمين إلى التلاحم والوحدة لأنهما الطريق الوحيد لتحرير فلسطين والقدس الشريف والقضاء على الكيان الصهيوني، مشدداً على ضرورة مواجهة الكيان الصهيوني ومؤامرات الاستكبار العالمي في غزة وسورية والمنطقة وسائر الدول الإسلامية، مشيراً إلى أن الجرائم والمجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة أسوأ من جرائم النازية، وأنه لو تذكرت الدول الأوروبية مجازر النازيين فإنها ستدرك بأن الصهاينة اليوم هم ورثتهم.
وفي جديد الوقفات التضامنية شهدت العديد من المدن الفرنسية المزيد من المظاهرات الحاشدة استنكاراً للعدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة وتواطؤ الحكومة الفرنسية في ظل رئاسة فرانسوا هولاند معه، وقال أحد المتظاهرين الفرنسيين وعمره 60 عاماً: ادعم من كل قلبي الشعب الفلسطيني وموقف الحكومة الفرنسية كارثي، مضيفاً: أنا فرنسي ولم أشعر البتة بخيبة أمل من موقف فرنسا كما هو الحال هذه المرة.
وفي مدينة ليون وللمرة الثامنة منذ بداية العدوان الإسرائيلي تجمع في مظاهرة مماثلة أكثر من ألفي شخص معبرين، عن تنديدهم لموقف الحكومة الفرنسية الداعم لإسرائيل، وفي مدينة ليل تجمع ما بين 700 وثلاثة آلاف شخص وهتفوا: “غزة محاصرة وعلى أوروبا أن تتحرك”، ورفعوا علماً فلسطينياً عملاقاً.
ونظمت مظاهرة أيضاً في مونبيلييه شارك فيها بين 700 و800 شخص، بحسب الشرطة الفرنسية، رددت خلالها هتافات منددة بالحكومة الفرنسية، ولافتات كتب عليها: “أوقفوا المجزرة بحق الشعب الفلسطيني وعاشت المقاومة الفلسطينية في غزة”.
كما تجمع مئات الأشخاص في مظاهرة مماثلة بمدينة افينيون حيث سار في مقدمة المظاهرة أطفال يرتدون ثياباً ملطخة بالأحمر.
وحظرت السلطات الفرنسية مظاهرة أخرى داعمة للفلسطينيين في باريس السبت الماضي لكن ذلك لم يحل دون تجمع آلاف الأشخاص في ساحة الجمهورية ما أدى إلى مواجهات محدودة مع قوات الآمن.
وفي واشنطن تظاهر آلاف الأشخاص أمام البيت الأبيض دعماً لقطاع غزة، مطالبين بوقف المساندة الأمريكية لإسرائيل ومعاقبتها واعتبارها كياناً إرهابياً، وشبه المتظاهرون جرائم الاحتلال الإسرائيلي بجرائم النازيين.
وفي العاصمة التشيلية سانتياغو تظاهر آلاف الأشخاص احتجاجاً على العدوان الإسرائيلي، ومطالبين بقطع علاقات بلادهم الدبلوماسية مع كيان الاحتلال، ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها: “أوقفوا إبادة الفلسطينيين” و”أوقفوا قتل الأطفال الأبرياء”.