ثقافة

بعد غيابه عن الموسم الرمضاني الدرامي فنان الشعب رفيق سبيعي: معظم الأعمال الشامية أساءت للشام وأهلها

يؤكد الفنان رفيق سبيعي -الذي غاب عن الموسم الدرامي لعام 2014- في تصريحه لـ “البعث” أن معظم الأعمال الشامية قد أساءت للشام وأهلها لأنها قدمت هذه البيئة بطريقة غير لائقة على صعيد الشكل والمضمون باستثناء أعمال كـ “ليالي الصالحية” و”أيام شامية” للمخرج بسام الملا فقد قدم “أيام شامية” على سبيل المثال منتخبات الصور الاجتماعية الراقية والموجودة في هذه البيئة والمأخوذة عن تدوينات السياح الذين كانوا يأتون إلى دمشق ويقيمون فيها، وقد أخرج كاتبه أكرم شريم كل الوثائق التي تتناول هذه الصور وصنع منها مَشاهد، في حين أن معظم الأعمال الشامية الأخرى أصبحت أسيرة لخيال كتّابها ورغبة منتجيها، فشاهد الجمهور فيها  شخصيات غريبة عن البيئة الشامية شكلاً ومضموناً، والسبب برأي سبيعي يعود بالدرجة الأولى إلى رغبة بعض المحطات والشركات (غالباً خليجية) بالدفع بهذا الاتجاه بشكل مقصود بهدف تشويه هذه البيئة لاعتبارات سياسية بالدرجة الأولى.
وعن غيابه عن الأعمال الدرامية لهذا الموسم يبيّن سبيعي أن نصوصاً عدة قدمت له ولم يجد فيها ما يغري، كما عُرِضت عليه أعمال كثيرة بهدف استثمار شخصية أبو صياح، ومنها أحد الأعمال التي خصصت الحلقات الثلاث الأولى منه لمشاركته ليكون فخاً للجمهور وتحريضاً على متابعة هذا العمل، مؤكداً أنه رفض ذلك لأن العمل لم يعجبه أبداً، ويأسف سبيعي لأن معظم النصوص الدرامية ما زالت تعاني ضعفاً كبيراً، مبيناً أن مشاركته في أي عمل بعد مسيرة طويلة له على صعيد التمثيل أصبحت مشروطةً بعدة أمور، وفي مقدمة هذه الأمور أن يكون الدور الموكل إليه ملائماً لسنّه لأنه لم يعد مضطراً لقبول دور لا يناسبه أو لا يسعده، مشيراً إلى أنه راضٍ عن حضوره الإذاعي والتلفزيوني من خلال  بعض البرامج التي يقدمها، مؤكداً أهميتها باعتبار أنها تتناول الحياة اليومية للناس في ظل الأزمة التي تعاني منها سورية وفي مقدمتها البرنامج الإذاعي “اقعد لنتفاهم” أحد البرامج التي يراها هامة اليوم، خاصة وأن الهدف منه توعية الناس بشكل عام، والشباب بشكل خاص لعدم الانجرار وراء موجة التمرّد على الدولة بفعل الإغراءات الكثيرة التي تُقدَّم لهم ليكونوا خارجين عن القانون.. من هنا يحاول سبيعي والقائمون على العمل شرح نتائج هذا التمرّد الذي فيه ضرر بمصالح الناس والوطن، مع التأكيد من خلاله على أن أيادٍ خارجية تلعب دوراً كبيراً في هذا التمرّد.

ردّة كبيرة
ولأن سبيعي من الفنانين القلائل الذين أخلصوا للإذاعة ومازال يعمل فيها وهو مصرّ على ذلك ينصح الفنانين بعدم التخلي عنها والاشتغال فيها لأنها أفضل تمرين للممثل، حيث لا يملك الفنان هنا سوى أداة وحيدة هي صوته، وعبر هذا الصوت يجب أن يقنع المستمع بالشخصية التي يسمعها، ويستغرب سبيعي من الفنانين الذين هجروا الإذاعة بحجة أن الجمهور انفضّ عنها، في حين يرى أن ردّة كبيرة تحصل اليوم باتجاهها وهذا ما يلمسه لمسَ اليد من خلال المستمعين الذين يتواصل معهم .

موظف في الإذاعة
ويشير سبيعي إلى علاقته القديمة بالإذاعة منوهاً إلى أنه في الفترة التي كان يتم التحضير فيها لافتتاح التلفزيون السوري اتجه إلى مصر للمشاركة في دورة تدريبية، وحينها لم يكتفِ بالمشاركة في هذه الدورة التي استمرت ستة أشهر فألّف الأغاني وقدمها للإذاعة المصرية، إلى أن غنّت له شريفة فاضل أغنية “ولد العم خفيف الدم” وبعد فترة قصيرة عرض عليه مدير الإذاعة تقديم برنامج إذاعيّ مع الفنان محمد رضا طالباً منه في الوقت ذاته البقاء في مصر والعمل فيها، وقد رفض ذلك دون تردد لقناعته بضرورة عودته إلى بلده للاستفادة مما تعلّمه ولإيمانه بأن الفنان الذي لا يُعرفَ في بلده ليس فناناً، فعاد إلى دمشق وعمل موظفاً في الإذاعة.

الوطن في مقدمة الأولويات
وفي الوقت الذي اختلفت فيه مواقف الفنانين حول الأزمة وما يحصل في سورية رفض سبيعي موقف الحياد وأعلن موقفه عبر مجموعة من  البرامج والأغاني الوطنية، معتبراً ذلك أقل ما يمكن أن يفعله كفنان، وكيف لا يفعل ذلك والبلد بلده والوطن وطنه، مؤكداً أنه لن يعير انتباهاً للهجوم الذي شُنَّ عليه حتى من أقرب المقرّبين منه لأنه مقتنع أن من يهاجمه اليوم سيكتشف أنه كان على خطأ، وأكبر دليل على ذلك ما يحدث على جبهة (المعارضة) التي أصبحت (معارضات) موضحاً أن كل ما قدمه من أغانٍ يحضّ من خلالها على توحيد الصفّ وترك السلاح والدعوة إلى الاجتماع على كلمة واحدة وأمر واحد ووضع مصلحة الوطن في مقدمة الأولويات.

من “أبو صياح” إلى “الملك لويس”
ولأن طموحه منذ البدايات كان أن يكون ممثلاً ناجحاً وليس مجرد كركتر ظل سبيعي على الرغم من كبر سنه يبحث عما هو جديد وبعيد عن هوية “أبو صياح” كما في مسلسل “طالع الفضة” وقد أبدع بشهادة النقاد في تجسيد شخصية اليهودي الدمشقي، ويتذكر سبيعي كيف نجح  منذ سنوات طويلة في الخروج من الشخصية الشعبية التي التصقت به من خلال المسرح، منوهاً إلى أن الفضل في ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى المخرج هاني إبراهيم  صنوبر الذي رشحه في مطالع الستينيات لدور الملك لويس في مسرحية “أبطال بلدنا” بعد اختبار أجراه لجميع الممثلين المشاركين، مشيرا إلى أن كثيرين سخروا منه في البداية لأنهم لم يكونوا يرون فيه كممثل إلا شخصية أبو صياح، ولكن ما حدث أنه نجح نجاحاً باهراً في تجسيد شخصية الملك لويس وقد سعى لذلك ولكن دون أن يتخلى عن شخصية أبو صياح التي كان يعود إليها بين فترة وأخرى ليس من باب الإخلاص فقط بل لأنه كان واقعياً ومدركاً أن أبو صياح كان يمثّل الطبقة الأوسع، فكان من الصعب عليه أن يخسر جمهور هذه الشخصية بعد تجاوبها معه وهو المؤمن بأن النجاح الذي حققه ما كان له أن يتحقق إلا بفضل هذا الجمهور الذي عشق هذه الشخصية، معترفاً أن الكثير من المثقفين المتعالين حقّروا هذه الشخصية وكانوا يلومونه على الاستمرار فيها.
وعن أول ظهور لشخصية أبو صياح يبيّن سبيعي أن هذه الشخصية ظهرت على صعيد الشكل حين اضطر الفنان أنور المرابط حين كان يعمل في فرقة عبد اللطيف فتحي “فترة الخمسينيات” للتغيّب عن إحدى الفقرات التمثيلية التي كان يقدمها، حيث كان يؤدي دور عتّال، حينها دعاه مدير الفرقة الفنان عبد اللطيف فتحي لأن يحلّ محلّ المرابط، خاصة وأن سبيعي كان يعمل كملقّن في هذه الفرقة.. ولتجسيد هذه الشخصية بشكل جيد ومختلف عما كان يقدمه المرابط بحث سبيعي طويلاً عن شكل جديد لهذه الشخصية.. من هنا ذهب إلى أحد الأصدقاء واستعار منه شروالاً وصدرية وهو اللباس التقليدي الشاميّ ليشكل ملامح هذه الشخصية.. وعلى صعيد المضمون يبيّن سبيعي أنه عاشر العتالين فترة طويلة، خاصة وأنه كان يقطن في منطقة البزورية التي كانوا يتواجدون فيها بشكل كبير، وبهذا اكتملت الشخصية في ذهنه شكلاً ومضموناً، وحين قدمها نجح إلى درجة أن البعض اعتقد أنه أحد العتالين الحقيقيين، ويتذكر سبيعي جيداً كيف اقترب منه حينها الكاتب حكمت محسن وقال له: “أنت ستصبح نجماً في يوم من الأيام” فكان أول من تنبأ له بذلك.
أمينة عباس