قوى لبنانية تحمّل "المستقبل" المسؤولية سياسة "النأي بالنفس" تنبت "إرهاباً متنقلاً".. وقهوجي: ما يجري في عرسال محضّر منذ زمن طويل
فيما ظلّت سورية على مدى ثلاث سنوات تؤكد تحوّل العديد من المناطق الحدودية اللبنانية إلى بؤر لتهريب السلاح والإرهابيين إليها، وكشفت أكثر من مرة عن دخول هذه العناصر والأسلحة إلى لبنان بطريقة غير شرعية، ليتم إرسالها لاحقاً عبر هذه المناطق، كانت جهات لبنانية معروفة التوجهات والتبعية، تسعى جاهدة لتكذيب هذه المعلومات، والتستر على ما يحدث في البلدات الحدودية، وتأمين غطاء سياسي لإرهابيي لبنان، يمنع الجيش اللبناني من أداء مهامه في منع انتشار الإرهاب والتطرف، ولسياسة “النأي بالنفس” النصيب الأكبر فيما وصل إليه لبنان عموماً، وبلدة عرسال وطرابلس خصوصاً.
على سلسلة لبنان الشرقية تقع بلدة عرسال اللبنانية، وتشترك مع سورية بخط حدودي طوله 50 كم، ما جعلها بيئة جغرافية مناسبة لتصبح مقراً وممراً للسلاح والإرهابيين إلى سورية، ساعدها في ذلك أيضاً البيئة السياسية في لبنان.
وفي نهاية عام 2011، قدّم مندوب سورية في الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري، وثيقة إلى مجلس الأمن تضمنت اتهام لبنان بالسماح بتهريب الأسلحة والمقاتلين إلى سورية، وتحدّثت الوثيقة عن تواجد لمقاتلي القاعدة في بلدة عرسال، وبعد شهر من هذا الاتهام فاجأ وزير الدفاع اللبناني فايز غصن الأوساط السياسية والإعلامية بتصريح أشار فيه إلى وجود للقاعدة في عرسال، وهاجمه في حينها الرئيس السابق ميشال سليمان ووزير داخليته مروان شربل، ساندهما في هذه الهجوم رئيس بلدية عرسال علي الحجيري، نافين أي وجود للقاعدة في عرسال، ليس بناء على معلومات دقيقة يمتلكها السابق ذكرهم، وإنما تماشياً مع أهوائهم السياسية، والجهات الإقليمية والدولية التي يتبعون لها.
وأول أمس تعرّض الجيش اللبناني لهجوم إرهابي شنته جماعتا “داعش” و”النصرة” الإرهابيتان على نقاطه العسكرية في محيط بلدة عرسال، واقتحم الإرهابيون مركز فصيلة درك عرسال، واقتاد المسلحون عدداً من عناصر القوى الأمنية، كانوا محتجزين في مبنى فصيلة الدرك، كما استولوا على السلاح الموجود في المركز.
وكانت اشتباكات قد دارت بين الجيش اللبناني والإرهابيين طوال اليومين السابقين في عرسال ومحاور وادي حميد ووادي المصيدة ورأس السرج، وعمد مسلحون إلى خطف جنديين من الجيش أثناء مرور صهريج مياه تابع له، كما أعلن الجيش اللبناني إطلاق عملية “السيف المسلّط”، لطرد الإرهابيين عن أراضيه.
وتجددت الاشتباكات العنيفة بين الجيش اللبناني والمجموعات الإرهابية عند أطراف بلدة عرسال لجهة وادي رعيان، واستخدمت فيها القذائف والرشاشات الثقيلة، وشوهدت سيارات الإسعاف تهرع إلى منطقة الاشتباكات، كما سجلت حركة نزوح كثيفة للأهالي من عرسال باتجاه البقاع الأوسط والمناطق المجاورة.
وفي وقت لاحق استعاد الجيش اللبناني ثكنة عسكرية تابعة له قرب مهنية عرسال كان الإرهابيون سيطروا عليها، فيما أفادت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام بأن الاشتباكات العنيفة استمرت على التلال المشرفة على بلدة عرسال، لافتة إلى تراجع وتيرة خروج المدنيين بواسطة السيارات بعد تعرض عدد منها لإطلاق نار من قبل المجموعات الإرهابية لمنعهم من مغادرة البلدة وإبقائهم رهائن، كما توقفت حركة النزوح مشياً على الأقدام بسبب حدة الاشتباكات، فيما طلب الجيش من الإعلاميين إخلاء مكان وجودهم على الطريق المؤدية إلى عرسال من جهة بلدة اللبوة حرصاً على سلامتهم.
وأعلن قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي أن “العناصر المسلحة التي تقاتل في عرسال غريبة عن لبنان وهناك أكثر من جنسية في صفوفها”، وأضاف: إن عرسال بلدة لبنانية و”سنحافظ عليها”، وكشف قهوجي في مؤتمر صحفي عقده ظهر الأحد عن سقوط عشرة شهداء للجيش و25 جريحاً، إضافةً إلى 20 مفقوداً، جراء المواجهات المستمرة مع المجموعات الإرهابية في عرسال وجرودها في منطقة البقاع اللبنانية المحاذية، وأوضح أنه “تمّ تطويق كل مراكز الجيش وقوى الأمن من كل الجهات وبأعداد كبيرة من قبل المسلحين في عرسال”، وأن الجيش فك الطوق عن كل المراكز باستثناء مركز تلة الحصن حيث تستمر العمليات لاسترداده، وكشف أن “الموقوف عماد جمعة اعترف أنه كان يخطط لعمليات واسعة ضد الجيش وليس صحيحاً أن العملية الإرهابية حصلت لأن الجيش أوقف جمعة”، وأضاف: إن الهجمة لم تكن “بنت ساعتها” وإنما حضر لها منذ زمن طويل، وقد ظهر ذلك من خلال الانقضاض السريع للمسلحين على مراكز الجيش.
من جهته، أصدر حزب الله بياناً أكد فيه الوقوف صفاً واحداً مع الجيش في مواجهة المخاطر المحدقة بلبنان، التي تتهدد وحدته وسيادته واستقراره، وأضاف: إن موقف قيادة الجيش يتطلب التفاف كل اللبنانيين حول مؤسستهم العسكرية والتضامن الكامل معها، وأن العزم الذي أبدته قيادة الجيش في التصدي للإجرام في جرود عرسال موقف يستحق كل التقدير والدعم، لافتاً إلى أن جرائم الجماعات الإرهابية المنظمة المدعومة بغطاء خارجي وبتبرير داخلي دليل على الخطر المحدق بلبنان.
من جهته حمّل المدير العام السابق للأمن العام اللبناني جميل السيد في بيان تيار المستقبل مسؤولية ما يجري في عرسال ومحيطها من اعتداءات ضد الجيش اللبناني والقوى الأمنية، على اعتبار أن هذا التيار وحلفاءه شكلوا وما يزالون البيئة الحاضنة والغطاء السياسي للإرهابيين من كل الجنسيات منذ اليوم الأول لبدء الأزمة في سورية، وقال: إن تصريحات الاستنكار لا تكفي بل يتوجب على تيار المستقبل وبعض الدول التي تقف وراءه أن يعالجوا الفلتان في عرسال بالطريقة نفسها التي عالجوا فيها الفلتان في طرابلس والشمال، وخاصة أن القرار الخارجي الذي ينفذه تيار المستقبل لا يزال يصر على استخدام بلدة عرسال وجرودها كقاعدة تموين وتغذية ودعم وطبابة الإرهابيين الأجانب الذي يقاتلون في الجبال المحاذية للحدود اللبنانية ما يجعل الجيش اللبناني والأهالي معرضين يومياً لمختلف الحوادث والمخاطر التي لن تنتهي طالما أن تيار المستقبل يصر على تحويل تلك المنطقة إلى ملاذ آمن للإرهابيين على حساب الأمن البقاعي والوطني.