اقتصادتتمات الاولى

بين التاجر “الواقعي” والمطوّر “الطوباوي” مسافة تحكمها جدية العمل

منذ نحو ست سنوات سرت موجة من التفاؤل في أوساط بعض المفعمين بأمل حل معضلة السكن، وذلك عند صدور قانون التطوير العقاري رقم /15/ لعام 2008، إذ لم يخفِ من قضّت أسعار العقارات السكنية مضاجعهم انفراج أساريرهم تجاه ما أُطلق من توقعات وصلت إلى حدّ الوعود أحياناً، تتمثل في أن المطوّرين العقاريين بصدد إحداث نقلة نوعية في عالم العقار السوري، لكونهم يستظلون بمظلة هيئة حكومية ترخّص وتراقب عملهم، فهم بالعرف الحكومي ليسوا تجار بناء، وإنما مكوّن أساسي لمجتمع عمراني قائم بذاته إن صحّ التعبير، ليس هذا فحسب بل يضطلعون بمسؤولية اجتماعية من خلال مساهمتهم بشكل أو بآخر في تأمين مساكن اجتماعية تلبّي -ولو نسبياً- شريحة متدنّي الدخل، حيث ينخرطون (بمعية المطوّرين) بشريحة الممتلئين مالياً والمحظوظين بالسكن اللائق.

نظرياً…
المطوّرون –وحسب ما سُوِّقوا- بعيدون كل البعد عن تجار البناء الساعين إلى الربح السريع بغض النظر عن مستوى جودة ما يشيدون من وحدات سكنية حتى لو كانت نظامية ومرخّصة أصولاً، فالتاجر يقتنص الفرص سواء بعمليات البيع والشراء، أم بأعمال البناء والتشييد والإكساء ليحقق ما يستطيع من أرباح، ناهيك عن أن قدرته المالية محدودة مقارنة مع المطور، وبالتالي لا يستطيع أن يبني سوى محضر أو جزء من ضاحية ضمن التنظيم، بينما المطوّر يستطيع أن يبني تجمعاً عمرانياً متكاملاً على أرض مساحتها قد تصل إلى 250 دونماً أو أكثر، تضم وحدات سكنية وتجارية وحدائق وفنادق وفعاليات تجارية، وحتى مستشفيات، وعلى أرض خارج التنظيم ولكن بشرط ألا تكون زراعية، ما يعني في النهاية تأمين كم هائل من الوحدات السكنية وبشروط ومعايير ذات مستوى عالٍ، بحكم متابعة هيئة التطوير لأعماله وفق المخططات والدراسات المقدّمة.

…وعملياً
كما يقال (العبرة بالنتائج)، لذلك يتبيّن أن تجار البناء -ورغم كل التحفظات عليهم- أكثر فعالية من المطوّرين الذين لم يجسّدوا ولو حتى لبنة واحدة مما نسجوه في عالمهم الطوباوي، فمع أن التجار يسعون إلى الربح –وإن كان هامشه كبيراً- إلا أنهم يؤمّنون معروضاً قد يساهم يوماً ما في حل مشكلة السكن، في حين أن المطوّرين لم يحرّكوا ساكناً رغم إحداث هيئة التطوير نحو 14 منطقة تطوير عقاري.

والنتيجة…!
ما سبق دفع بعض المراقبين إلى التشكيك بقدراتهم المالية لأن تكلفة منطقة التطوير لا تقل عن 3 مليارات ليرة سورية، وما إقدامهم على الترخيص لشركاتهم سوى بريستيج زائف.
وبعضهم الآخر اتهمهم بحيتان السوق المستقبليين، حيث إنهم يطمحون إلى الفوز بصفقات تطوير أكثر دسماً مما هو مطروح حالياً، ما يعني في النهاية –وعلى ذمة المشككين- أنهم أكثر جشعاً وطمعاً من التجار.
لا ننكر أن الأزمة وما رافقها من تداعيات غير متوقعة عرقلت معظم الأنشطة الاقتصادية والخدمية القائم منها والمزمع إحداثه، وبالتأكيد فإن التطوير العقاري لم يكن بمنأى عن هذه التداعيات، ولكن ما رشح عن الهيئة من أخبار حول تعديل قانون التطوير وازدياد عدد مناطق التطوير، إضافة إلى دراسة عدد من مناطق السكن العشوائي في محافظات ريف دمشق وحماة وطرطوس بغية تطوير بعضها وإعادة تأهيل بعضها الآخر ربما يعيد بارقة أمل طالبي السكن بالتطوير العقاري، ولعل قادمات أيام الإعمار هي الفيصل إما بإثبات التهمة على المطوّرين والترحّم على أيام التجار، أو بتبرئتهم من خلال ما قد يقدّمونه من صدق نيات.

دمشق – حسن النابلسي