سورية تؤكد وقوفها مع الجيش اللبناني الشقيق في معركته ضد الإرهاب إجماع لبناني على دعم الجيش.. و"المستقبل" يغرّد خارج السرب الإرهابيون يستخدمون أهالي عرسال دروعاً بشرية ويمنعونهم من مغادرة البلدة
ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها لبنان وجيشه لهجوم واعتداء من قبل جماعات تابعة لتنظيم القاعدة، لكن جهات لبنانية، وخاصة تيار المستقبل، لغايات شخصية وارتباطاً بأجندات خارجية، كانت تعرقل محاولات الجيش اللبناني لمعالجة المشكلة قبل تفاقمها.
ففي عام 2000 كانت أولى معارك الجيش مع المتطرفين في جرود الضنية شمال البلاد، وصولاً إلى المواجهات الأقسى مع عناصر “فتح الإسلام” في مخيم نهر البارد عام 2007، تبع ذلك اعتداءات متنقلة على نقاط وسيارات الجيش في أكثر من مكان بعد انتشار الإرهاب في بلدات لبنانية احتضنت الجماعات الإرهابية وصدّرتها إلى سورية بغطاء داخلي من جماعة 14 آذار، ودعم خارجي غربي-خليجي.
مرة أخرى، تعفّر تراب عرسال بدماء شهداء الجيش اللبناني، في مشهد أعاد إلى الذاكرة حادثة وادي حميد بداية شباط من العام الماضي، حينها كمنت قوة من فوج المجوقل للمطلوب خالد حميد وحصل تبادل لإطلاق النار أدى إلى مقتله، ليتطوّر الأمر إلى كمين لأفراد القوة العسكرية واستشهاد ضابط ورقيب وجرح باقي أفراد القوة.
المشهد الذي لا تزال الذاكرة تختزنه، يكاد لا يختلف في تفاصيله عن مشهد يوم السبت الفائت، توقيف أحد قادة المجموعات المسلحة في “داعش”، عماد أحمد جمعة، تبعه هجوم كبير من مسلحي “داعش” و”النصرة” على مراكز الجيش وفصيلة درك عرسال، واستشهاد عشرة عسكريين وفقدان الاتصال بـ 13 آخرين، إضافة إلى جرح 26 بينهم ضابطان برتبة ملازم وملازم أول.
الاعتداءات الإرهابية، المخطط لها، والتي تنفذها المجموعات الإرهابية وعلى رأسها أذرع تنظيم القاعدة: “دولة العراق والشام” و”جبهة النصرة”، بهدف زعزعة أمن واستقرار لبنان الشقيق، أدانته سورية في بيان صدر عن وزارة الخارجية والمغتربين أمس.
وقال البيان: إن ما تشهده بلدة عرسال اللبنانية وجرودها من اعتداءات وجرائم إرهابية ضد المدنيين وحواجز ومقرات الجيش اللبناني يستوجب تقديم الدعم والوقوف مع الجيش اللبناني صفاً واحداً في معركته ضد الإرهاب التكفيري المتطرف.
وأضاف مصدر في الخارجية: إن الجمهورية العربية السورية تؤكد وقوفها مع الجيش اللبناني وتضامنها معه في التصدي للمجموعات الإرهابية والقضاء عليها، وهي على ثقة تامة بانتصار لبنان الشقيق في هذه المعركة وإحباط كل ما يُحاك لزعزعة أمن لبنان واستقراره، مشيراً إلى أن سورية كانت حذرت مراراً من أن الإرهاب المدعوم من الخارج لا يعرف حدوداً ولا هوية وسيمتد إلى المنطقة وجوارها، إن لم يتم التصدي له وتجفيف منابعه وإلزام الدول المعروفة الداعمة لهذه المجموعات الإرهابية بوقف التمويل والتسليح والتدريب والإيواء تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب وإلّا سيطاله هذا الإرهاب، وقال: إن الجمهورية العربية السورية التي تعتبر أن التصدي للإرهاب الذي تتعرض له سورية والعراق ولبنان هو دفاع عن أمن واستقرار المنطقة، تؤكد مواصلتها العمل على استئصال المجموعات الإرهابية بشكل لا هوادة فيه متسلّحة بإجماع الشعب السوري والتفافه حول قواته المسلحة.
وكان إرهابيو “النصرة” و”داعش” قد سيطروا على بلدة عرسال البقاعية شرق لبنان بالكامل، ومنعوا المواطنين من مغادرة البلدة، متخذين منهم دروعاً بشرية، وقال رئيس بلدة اللبوة المجاورة رامز أمهز: “إن عناصر داعش والنصرة دخلوا وأخذوا الناس رهينة لأنهم جبناء”، مؤكداً “دعم أهل المنطقة لقرار الدولة بالحسم”.
وأفاد الجيش اللبناني عن استشهاد 14 عسكرياً وإصابة 86 بجروح وفقدان 22 آخرين في بلدة عرسال البقاعية، وأنه تجري عمليات البحث والتقصي عنهم، وجاء في بيان: يخوض الجيش اللبناني منذ يومين معارك ضارية في منطقة جرود عرسال ضد مجموعات مسلحة من الإرهابيين والتكفيريين على أكثر من محور. حتى الآن أنهى الجيش تعزيز مواقعه العسكرية الأمامية، وتأمين ربطها بعضها ببعض ورفدها بالإمدادات اللازمة، وتعمل وحدات الجيش حالياً على مطاردة المجموعات المسلحة التي لا تزال تمعن في استهداف العسكريين والمدنيين العزل في بلدة عرسال.
وذكرت الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام أن الجيش اللبناني طلب من الإعلاميين ترك مشارف عرسال والنزول إلى منطقة اللبوة في البقاع لضرورات عسكرية خاصة، بعد استقدام تعزيزات عسكرية كبيرة إلى منطقة عرسال، كما صدرت نداءات استغاثة من أهالي عرسال بوجود جرحى في صفوف المواطنين اللبنانيين على الطرق.
سياسياً، دعا رئيس الحكومة تمام سلام في كلمة له بعد جلسة مجلس الوزراء، “الشعب اللبناني للالتفاف حول القوى الشرعية والمؤسسات الدستورية التي تشكل المرجعية الوحيدة للدولة”، مشدداً على أن “لا حلول مع التكفيريين الذين يريدون نقل ممارساتهم المريضة إلى لبنان”، مؤكداً أن “لا تساهل مع الإرهابيين القتلة ولا مهادنة مع من استباح أرض لبنان”.
ورأى سلام أن “الجيش الذي قدّم التضحيات يحظى بكل الدعم، والحكومة لن تدّخر جهداً بتزويد الجيش بكل ما يدعمه في الدفاع على لبنان”، معلناً بأن “مجلس الوزراء قرر استنفار كل المؤسسات والأجهزة للدفاع عن بلدنا وهذه المسؤولية مناطة بكل الأجهزة الأمنية التي بادرت منذ اللحظة الأولى للدفاع عن أرض الوطن”، وقال بأنه “ينحني إجلالاً أمام أرواح الشهداء، ونؤكد أن هذا الأمر لن يمر من دون عقاب، ومجلس الوزراء منعقد دائماً لمتابعة التطورات”.
وفي هذا الإطار أدان رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان الاعتداء الذي قامت به مجموعات إرهابية على مواقع الجيش اللبناني في عرسال، وقال في اتصال مع قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي: إن هذه المجموعات الإرهابية انتهكت السيادة اللبنانية واحتلت عرسال، وهذا الأمر لطالما حذرنا منه ومن المهام الملقاة على عاتقها لتفتيت المنطقة وإعادة رسم خارطتها بما يتناسب مع مصلحة إسرائيل”، ورأى أن ما يهدف إليه الإرهاب العميل اليوم هو توسيع رقعة المعركة ضد محور المقاومة من غزة إلى البقاع إلى حلب إلى الموصل، وكله بهدف تنفيس الهزيمة التي لحقت بإسرائيل على يد المقاومين الأبرار في غزة.