الفساد ينخر الدولة.. وأغلبية التونسيين لا يثقون بـ "الحكام الجدد" "النهضة" حوّلت تونس إلى مرتع لـ "الفكر الوهابي"
حذّر حامد القروي رئيس الحركة الدستورية من “تأثير انتشار ظاهرة الفساد والرشوة والمحسوبية” على نتائج الانتخابات المزمع إجراؤها قبل نهاية العام الحالي، في وقت كشفت فيه دراسة حديثة أن الفساد في تونس أصبح منتشراً أكثر مما كان عليه قبل عام 2010.
وهاجم القروي حكام تونس الجدد، الذين يصفون حكم بن علي بأنه “فاسد” سياسياً ومالياً، مشدداً على أن الفساد المالي والسياسي والرشوة والمحسوبية أصبحت ظاهرة منتشرة في مؤسسات الدولة وفي المجتمع أكثر مما كانت عليه في حكم بن علي، وهي ظواهر تنخر تونس وتهدد “إجراء انتخابات حرة شفافة ونزيهة خاصة في ظل عزوف التونسيين عن المشاركة نتيجة عدم ثقتهم في السياسيين الذين حكموا تونس خلال السنوات الماضية.
وأوضح القروي، الذي يطالب بإعادة الهيبة لمؤسسات الدولة، أنه “يصعب الحديث عن انتخابات شفافة ونزيهة في ظل استفحال مختلف أشكال الفساد من رشوة ومحسوبية وتدفق المال السياسي المشبوه على جمعيات وأحزاب وأفراد”، معرباً عن خشيته من أن “يتعرض التونسيون إلى نوع من الابتزاز من خلال شراء أصواتهم وذممهم بالمال أو بتسديد بعض الخدمات”.
يأتي ذلك في وقت كشفت فيه دراسة حديثة أن 79 بالمئة من التونسيين يعتبرون أن الفساد يضرب مختلف المجالات والقطاعات، وفي مقدمتها القطاع العمومي والمؤسسات الدولية التي تقدّم خدمات للمواطنين، وأكدت نتائج الدراسة، التي أعدها منتدى العلوم الاجتماعية التطبيقية، أن 53 بالمئة من التونسيين يرون أن “الفساد مستفحل في تونس”، وأنه “يشمل الرشوة مقابل خدمات إدارية هي من حق المواطن ويشمل المحسوبية في العمل وفي التعيينات وفي الترقية المهنية”.
وأظهرت الدراسة أن قطاع التشغيل يحتل المرتبة الأولى من حيث انتشار الفساد بنسبة 81 بالمئة، يليه قطاع الجمارك بنسبة 73 بالمئة، ثمّ الضرائب بنسبة 69 بالمئة، فالأمن بنسبة 62 بالمئة.
ويرجع السياسيون استشراء الفساد، في بلاد يقول حكامها: إنهم “ثاروا على حكم فاسد”، إلى “عدم إيمانهم بمؤسسات الدولة التي تُعامل الناس على أساس مبدأ المواطنة وتمكنهم من حقوقهم وتقف على نفس المسافة من جميع الفئات والشرائح بقطع النظر عن الانتماء الحزبي”، ويضيف هؤلاء: إن “مبدأ المواطنة” الذي يتناقض تمام التناقض مع المحسوبية قد ضعف لدى قطاعات واسعة من التونسيين بعد أن “نخرته سياسات مبنية على الولاء الحزبي أو الولاء للجماعة لا الولاء للدولة باعتبارها دولة كل التونسيين”.
وتساور التونسيين شكوك جدية حول نزاهة وشفافية الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة في ظل انتشار المحسوبية لتعصف بحقوق المواطن الأساسية، ويُعد تدفق المال السياسي المشبوه على جماعات الإسلام السياسي أخطر ما يهدد شفافية ونزاهة الانتخابات، حيث يتوقع السياسيون أن تتم مقايضة أصوات الناخبين بالمال، خاصة بالنسبة للفئات الفقيرة والمحرومة التي قد تجد نفسها مضطرة لبيع صوتها من مقابل لقمة العيش.
ومنذ تسلّم النهضة الحكم، تحوّلت تونس إلى وجهة جذابة للدعاة الخليجيين، الذين ضخوا المال السياسي مقابل السماح لهم بنشر الفكر السلفي الإخواني والدعوة إلى “إقامة حكم الخلافة”، وتنشط في تونس المئات من الجمعيات السلفية والإخوانية تحت مسميات عديدة في مقدمتها “جمعيات خيرية”، وتتخذ من الأحياء الشعبية الفقيرة ومن الجهات الداخلية الأشد فقراً معقلاً لها لتستقطب المحرومين مقابل تقديم مساعدات تشمل مواد غذائية أو مبالغ مالية.
ورغم صيحات الفزع التي يطلقها التونسيون والقيادات السياسية ونشطاء المجتمع المدني من خطورة تداعيات الفساد والمال السياسي على المجتمع والحياة السياسية تتكتم الحكومة عن انتشار الظاهرة، وهي لم تتخذ أية مبادرة جدية من شأنها أن تضع حداً لانتشار الفساد المالي والسياسي.
ويتوجّس غالبية التونسيين من “سطوة” الفساد والمال السياسي على مجرى الانتخابات، وهم لا يترددون في القول: إن نتائج الانتخابات لن تحسمها برامج الأحزاب ولا خيارات الناخبين وإنما ستحسمها “قوة المال الفاسد”.
ويحذّر الخبراء والسياسيون من أن الانتخابات القادمة إذا ما جرت تحت تأثير ظاهرة الفساد والرشوة لن تعكس إرادة التونسيين وإنما ستعكس نفوذ من يمتلك المال السياسي، مشددين على أنه في هذه الحال فإن الانتخابات ستفرز سلطة غير شرعية ولا تتمتع بتأييد الشعب، الأمر الذي قد يزج بالبلاد مجدداً في حالة من الاحتقان والاحتجاج.