الشاعرة ماجدة حسن تشعل زوابع الكلام في “نفسي الأمارة بك”
رائد خليل
ربما كان الرهان على النظرة الأولى للتصورات النصية قاصراً…فاستجلاب الدلالات يأتي في سياق التمحيص والولوج وقراءات الأبعاد النفسية الملازمة بتواتر يشي عن أسباب التركيب النصي..إذن هي العلاقة القائمة بين معطيين..الأول استدلالي مكنوناتي.. والثاني تأويلي يفيد في خلق نتائج بحثية دون تأطير أو تدجين.
إنّ المنحى الاستقلالي للنص الومضة ، يلزمنا في سبر أغوار التضمين والاستعارات والتنصيص بوصف مترع بالتشويق المنفتح على عناوين إبداعية وسياقات الغرض المراد حياكتها .
“نفسي الأمّارة بك” مجموعة شعرية للشاعرة ماجدة حسن..ارتسمت ملامحها الأولى بمواويل وجع أخضر، دون أن تعنّفها أزمنة الفحيح..!
تنويعات على جبهات متعددة القول، فمن اليقين إلى حكاية القمح وأسلاك الصباح، تولد أحجية على خصر القصيدة لتترك الدندنة تبوح بلحنها السري بعد أن أراق البحر رقصتها الأخيرة.
” من زمن الغبار أنا ذرة عطر..تتعلم من لسعة العسل بعينيك..أن تقيم في قلق الضوء مهرجان زهر دون صخب”
في مواويلها ، يحضر الحلم ككل العناوين الباذخة الأخرى..
” اقسم قمح أحلامك بين جميلتين..
نمل القصيدة يتحضر للشتاء”..
ويبدو التباين أو الحالة المأخوذة زمناً تلبس نزعة الملازمات السيكولوجية..
“استطال حتى انقطع الحلم الغبيّ
علمته المرونة ..لا المروءة”.
إذن، تحمل تأويلات (ماجدة حسن) الشعرية حصافة التعبير كحالة متناسلة من لجّة المعاني..في تذوّق مفعم بالدلائل والتخصيب..تتلقف ألحان ذاتها كسريان الضوء على وجه القصيد..حالات تؤسس نهجاً مغايراً تتعايش وإيقاع اللون المنعكس كروح المناداة في تواصل يبعث أسباب الرؤى ..
” سأظل أوصيك بشهقتي الأولى حتى يظن الضوء أني
سأورث أصابع صوتك
كل خواتم دمي”.
ومضات تسكب في ذهنية الحدود لازمة الأطر الجمالية.. ومغامرة تعيد متون اللقطة البارعة في دقائق التخيّل..فالتخيل كما تراه “ماجدة” هو الابن الضال للنفس، لا يملّ البحث عن أبيه..!
في النصّ الومضة..هيبة تقاس بمنظار الجمال، إذ وصفته الشاعرة الأنيقة الحروف بنظرة غير قبيحةٍ للضّوء فينا..وارتحال الشاعرة في الحلم الذي استطالَ ..جاء ليعلّم الانفتاح مرونة الانسجام في جذوة المعنى الأخير..!
” كلما قطف صباح عن شفتي الضوء وردة..
اغتسل عطري فوق قدميك العاريتين”.
تساؤلات مشروعة.. ومشرّعة أبواب التأمل والوقوف على ناصية الرمزية المتعددة القراءات..كحالة انفتاح جديد.. يعيد ألق الحرف المنتمي إلى قافلة متأنية انتقائية.. كرجفة ” الضوء في وجه الماء” وعلى ماء الوجه حيث يرتعش بلا ضوء…!
في المجموعة تعريفات مزروعة في “مساكب” أزهرت بموسيقا الصبا أحياناً وبابتهالات المطر ..وصولاً إلى حراسة منام الحبر..فالأماني أو بعضها
“تحكُّ ظهر الشجر قبل طلوع الشتاء بقبلة مطر”.
تكتب (ماجدة حسن) بلغة تقاسم وريدها نبض الكلام وحبر الصوت الموغل بين ثنايا السطور..تراقص القوافي برؤى هاربة من النمطية ..لتعوّد القارئ على استنطاق الممكن في حرية واعية ومسؤولة ..مرة بتجريب ومغامرة..ومرة كبرهان على نظرية تؤسس فهم الحكاية.. كلّ الحكاية..التي فككت خيوطها..وأعادت حياكة بوحها بإعلان مبشّر ” الفضاء مفخخٌ بكذبة الضوء..حتى يتبدّى يقينُ الصباح”..
نصوص ماجدة ..تغمرها الجماليات والدهشة المنتظرة في كل نص يفرد جناح الرغبة ..وفي النصوص الذاتية التي تمجّد فيها الأنا، نقرأ الحراثة النثرية الحديثة على امتداد ناضج ..ونبوءة خير تتضافر فيها معاصم الرعش الحلال..” ازرعني …قمحاً..تحصد.. قصيدة..”.
صدرت المجموعة عن دار بعل / دمشق 2014