نقطة ساخنة مفاضلة غير عادلة
أخذت الحكومات المتتالية وعلى مدى عقدين من الزمن تشجّع الشباب على العمل بالقطاع الخاص، وهذا التوجّه إلى حدّ ما نال الثقة مع تسجيل وتأمين نحو نصف مليون عامل في وزارتي العمل والشؤون الاجتماعية..
وبسبب الأزمة، عاد القطاع العام بقوّة، المطلب رقم واحد للتوظيف بعد أن فقد أرباب العمل في المنشآت الخاصة المصداقية نتيجة جملة التسريحات التعسفية التي طالت 140 ألف عامل من أصل 410 آلاف عامل مؤمّن عليهم، حسب إحصائية حكومية سابقة.
وللأسف كانت هناك عدة إجراءات وقوانين لو اتخذت قبل عام 2011 -بدء الأحداث والاضطرابات- لحمينا “قانونياً” نحو مليوني عامل في القطاع الخاص غير المنظم، من رميهم على قارعة الطريق، وتحاشينا بطالة معدّلاتها باتت عالية ولم تعُد تحتمل، وحصرنا ظاهرة التسوّل ضمن حدودها الدنيا؛ وذلك فقط لو أجبر أصحاب منشآت “الظل” على ترخيص أعمالهم وتأمين عمالهم، ولَكُنا خفّفنا من الضغط الهائل من توافد آلاف طلبات التوظيف المقدمة إلى القطاع العام الآن.
إن جلّ مشكلة تسريح العمال يعود إلى القانون 17 لعام 2010 وما تشكله بعض مواده من ضعف، فالمشكلة الأساسية في مسألة تسريح العمال تقع على القانون المذكور، حيث سُمح لرب العمل تسريح العمال مقابل مبالغ مالية معينة، فالقانون أعطى تفويضاً للتسريح، إذ إن المادة 65 من القانون سمحت لصاحب المنشأة بتسريح عامله من دون وجود أي مخالفة لكن مع تعويض أجر شهرين عن كل عام عمل، مع إعطائه مهلة شهرين، ويحق للعامل تقديم اعتراض وتشكيل لجنة للتحقيق بالأمر مع العلم أن قرار التسريح لا يتخذ إلا بعد موافقة وزارتي “الشؤون الاجتماعية والعمل”، إلا أن اللجنة القضائية المختصة بقضايا تسريح العاملين حسب القانون أعلاه لا تستطيع أن تبتّ في أي حالة فردية أو جماعية في كل جلسة يتغيب عنها أحد الأعضاء، وحسب القانون فإنه في حال عدم حضور أي عضو تلغى الجلسة، الأمر الذي مكّن رب العمل من التغيّب مع سبق الإصرار والترصد، وهكذا آل المآل إلى ما نحن عليه راهناً من بطالة؟!.
وفي ضوء المعطيات الموجودة على أرض الواقع ونتيجة الأزمة بكل تداعياتها ومنعكساتها السلبية، أصبح العمل في القطاع العام مفضّلاً مائة بالمائة، لأنه يضمن حقوق الموظفين والعمال واستقرارهم، ويؤمّن لهم راتباً تقاعدياً ويريحهم من الخوف من الاستغناء عن خدماتهم في أي وقت وتحت أي حجة سواء صحيحة أم كاذبة، فطبيعة العمل في القطاع العام أكثر ضماناً وأكثر أماناً في المستقبل والعمل فيه دائم ومستمر، والراتب ثابت ويتزايد بعلاوات دورية.
بناءً على تجربة ودراية تامة بالقطاع الخاص السوري، نعتقد أن المشكلة الجوهرية لم تكن في التشريعات -ليس في سورية وإنما في جميع دول العالم– لنحكم بالنجاح أو الفشل على أي عمل كان، وإنما المشكلة الأساسية، وفي القطاع الخاص تحديداً، هي عدم وجود أخلاقيات التوظيف والعمل لدى أرباب العمل، لأن همّهم الوحيد وديدنهم هما زيادة الربح وتقليص النفقات.
سامر حلاس
Samer_hl@yahoo.com