ثقافة

“ستريتش” رواية تتصدى للتلفيق والتزوير في المجتمع..!

أراد الشاعر السوري نضال كرم أنْ يقول في روايته الأولى “ستريتش” إنّ السواد الأعظم من البشر، يعبِّر عن اشمئزازه من بعض السلوكيات الشاذة البعيدة عن مجتمعاتنا كالمثلية.. التي انتشرت في أوربا وفتحوا لها أبواب القبول والرضا..
وأما في مجتمعنا وصل الأمر بالبعض إلى حد قذف من يتناول هذه القضايا بأبشع الصفات وأقساها، إن لم نَقُلْ تكفيرهم، والمطالبة بهدر دمهم. وفي حقيقة الأمر، فإن الغالبية من هذا السواد، تتبنَّى ما هو رائج في المجتمع، خلافاً لحقيقة ما تُضمِره في سرِّها، إرضاءً للمجتمع الذي تنتمي إليه، وخشية مواجهته بما هو غير مألوف، إنْ لم تكن “هذه الغالبية” واقعةً فيه، لكنها كغيرها، تتحصَّن، وتبتعد عن إثارة كل ما من شأنه لفت النظر نحوها، إنْ حَدَثَ، ودافعت.
تتناول “ستريتش” القضية المذكورة كموضوع رئيس، من خلال عدة شخصيات، تتباين مواقفها بين مؤيدٍ ورافض، وفي ظل أحداث تُعمِّق إبراز ما يُعتَبر مشكلة حقيقية، تقتحم “ستريتش” هذا العالم لتصوّره على حقيقته، ويتم التركيز فيها على مَنْ هو مُنغمس في أتونها، ومن يُلامِسُ إرهاصاتِ من ينتمي إليها، عن بُعد، وذاك الذي يَبرع في التعبير عن رفضها واستنكار وجودها، تدور أحداثها داخل نسيج المجتمع السوري، الذي يشبه إلى حد كبير المجتمعات العربية الأخرى، وإن اختلفت الجغرافية، فالعلاقات متشابهة، والحكم واحد  في مجتمع عربي يهوى كل ما يدور في الغُرَف المُظلمة، ويَكره بالمقابل، التعبير عنها في العلن، أو التَطرُّق إليها، وفَضْحها: كُتِبَتْ “ستريتش” لتتصدَّى لما هو مُلفَّق ومُزوَّر ومُلوَّن من الخارج بعناوين كاذبة. اليوم، وبعد سيطرة الصورة، والإنترنت، وخَرْق القنوات المفتوحة لكل ما هو محظور، تُصوِّر هذه الرواية الجنون الذي تَمكَّنَ من وأد العقل، تُعبِّر بوضوحٍ تام، عن الأزمة الحقيقية، في مجتمع يَدَّعي في كثير من الأحيان تَمسُّكَهُ بالأخلاق، وهو في حقيقة واقعه يَهوي إلى الدَرْكِ الأسفلِ، دونما تَطلُّعٍ إلى يَقَظةٍ تَنتشلُ أبناءَهُ مِنْ مُستنقعاتِ الرذيلة، ليواجه، ولو لمرة واحدة، مشكلاته بجدّية تَتطلَّبُها المرحلة الزمنية التي تمر، إذ ما يجري حقيقةً سوف يؤدّي إلى التمرُّد على قوانين المجتمع بسلوكياتهم وأسلوب حياتهم، هذا التمرُّد الذي سيُفضي إلى الهلاك ومن ثم الفناء نتيجة اكتفاء كل جنس بأبناء جنسه.
“ستريتش” رواية جريئة صَوَّرتْ المسكوت عنه في المجتمعات العربية، تثير الفزع لمن كان يظنُّ واهِماً أنْ لا وجودَ لأزمةِ أخلاقٍ في تلك المجتمعات، مُحافِظةً في الوقت ذاته على المستوى الأدبي المطلوب في الرواية، فهي لا تخدش حياء القارئ، وجرأتها بعيدة عن مقاصد الإثارة والغواية والفتنة والمجون، ويبقى للقارئ وحده اكتشاف عناصر التشويق فيها.
في “ستريتش” لن يجد اللاهثون وراء إطفاء شهواتهم مكاناً يتسع لهم، باستثناء، الوقوف أمام مرآة الذات لمواجهتها، أما إنْ وُجِدَ مَنْ سَيرفض أو سَيغضب لجرأتها فالدعوة مفتوحة للوقوف أمام ذات المرايا.
وكان لصدور الرواية أصداء وانطباعات، فالكاتب المصري سالم إبراهيم رأى أن الرواية تعيد لنا أصداء هذا الخبل الذي لا يعصف بفرد وإنما بمجتمع كامل.. تأتي الرواية صادمة، تختلف بصورة كاملة عن الروايات المدافعة عن العادات الشاذة، فالبطل يفاجَأ بمرارة الواقع الذي آلت إليه الأوضاع في المجتمع، ولا يدعي أنه يمتلك وصايا إرشادية أو مهارة في فتح نافذة لاستئصال هذا الوباء، وإنما يكتفي بفضح المجتمع بعمق ومصداقية.. والأديب هنا يضع يده على جرح لن يلتئم في جسد تتابعت فيه الطعنات، يكتب نضال بلغة رصينة ويستعمل فيضاً لغوياً مدهشاً ينقلك إلى أجواء المأساة برقة الشعراء ورهافتهم ثم يدفع بك إلى بنية الحدث والأزمة بمهارة إلى أن تُفاجأ أنك تلتحم مع الواقع شغوفاَ بعد نهاية كل فصل بما سيأتي. ولا يناقش الكاتب أقدار أبطاله طويلاً، وإنما يحنو عليهم بنظرة تعكس الانتماء العفوي لإنسانيته.. الإنسان في كل واحد منا مهما كان مجرماً أو مخبولاً.
صدرت الرواية عن دار “ليليت” للنشر والتوزيع /مصر/ تصميم الغلاف/رائد خليل
رائد خليل