ثقافة

الدراما السورية.. إلى أين .. ومن المسؤول عن إخفاقاتها ؟

يبدو أن الدراما السورية لا تشكو فقط من أزمة نصوص، بل مشكلتها في النفوس، كما هم البشر في هذي الحياة بكل ما يختزنونه من مكونات لتراكيب تبدو في الوقت الراهن أكثر تعقيداً من أية فترة أخرى، يبدو أن الحرب قد أفرزت البشاعة بحدودها القصوى، فما علاقة الدراما بكل ما تقدم؟
دراما المجتمع صورة معبرة عن حقيقة علاقات أفراده، وهي نتاج طبيعي لما هو موجود ومتوفر في الحياة، ومن هذا المنطلق يبدو أن نفوس أغلب من يشتغل في حقل الدراما، يعكسون المستوى العام للراهن المعاش وأهمه الإنسان، لكنه الإنسان في دواخلهم هم أكثر مما يعبر عن الإنسان المتلقي لأعمالهم والمتأثر بواقعه القاسي.
يتطلب الخوض في شؤون الدراما أن نكون واضحين بمواجهته وذلك لملامسته العميقة لشؤون الإنسان، فهل استطاعت الدراما السورية هذا العام تجسيد واقع الإنسان السوري؟ أم نقلت لنا صورة أوضح عن المشتغلين في الدراما، فتم بناء على ذلك الزج بنماذج متدنية المستوى ما كانت لتظهر على السطح لولا هذه الظروف التي اختلط فيها الحابل بالنابل ليصنعوا دراما في أغلبها.. مشوَّهة؟
تبدو المشكلة في الأعم الأغلب فيما تم تقديمه من مسلسلات وبشكل أولي وسابق لمسؤولية من نفذ وشارك في تقديم الأعمال، تبدو المشكلة فيمن منح النصوص المقدمة الموافقات المطلوبة لتُدار من بعدها عجلة الإنتاج، فإذا ما تجاوزنا الخطوط الحمراء التي كانت تبرع بوضعها وتتشدَّد فيها الرقابة، على اعتبار أن ما تم تقديمه في هذا الموسم بشكل خاص قد تصدَّى في ظاهره للثالوث المحرم، فإن ما تركه من صدى ونتيجة، يبدو مزعجاً، لأن ما فيه ينضح بالإسفاف، من حيث الفكرة أولاً، فليس شرطاً إن تجاوزت الرقابة المعايير التي كانت تضع العمل تحت قيود الخط الأحمر أن توافق على نصوص متدنية فكرياً وغير مقبولة في المعالجة والطرح والأسلوب، وهنا يجدر التساؤل: كيف مُنحت بعض النصوص الموافقة؟ على أي أساس وهي من حيث المبدأ تحقق تراجعاً واضحاً في الخط البياني للمستوى الذي وصلت إليه الدراما السورية خلال السنوات السابقة؟
وإن كانت الرقابة قد تساهلت في قبول المعروض والمتاح كما قبلت بتجاوز بعض الخطوط الحمراء بملء إرادتها أو بتوجيه مقصود، ووضعت المعايير التي كانت تعتمدها في الماضي على الرف، وبناء عليه منحت الموافقة، فما الذي يمنع من عرض تلك المسلسلات بعد التنفيذ على الرقابة أو على جهة أخرى تتحمل مسؤولية النتائج المحصَّلة في النهاية ليتم الحكم على العمل قبيل عرضه، أو الحكم على ما تم تنفيذه من حلقات في حال عدم اكتمال تنفيذ العمل، وهو يبدو كافياً للحكم على صلاحيته للعرض الجماهيري؟
الاستسهال، الادعاء بامتلاك الموهبة، التجريب على سبيل الوصول إلى الحرفية المشتهاة، تبدو عناوين لما ساهم باعتقادنا بالانزلاق نحو مستوى سيء ربما إن استمر فإنه ينذر بوقوع كوارث على صعيد ما تم تحقيقه سابقاً من مستوى للدراما السورية.
إن كانت القرارات المرتبطة بالموافقات، في نهاية الأمر، تخضع لاعتبارات خاصة كالمساهمة في تدوير عجلة الإنتاج دونما توقف أو انخفاض، فهي مخطئة، إذ إنها تسببت وفق هذا المنطق أن يلغي الكم الكيف، وإذا كان الهدف هو إنتاج أكبر عدد ممكن من المسلسلات لكي تثبت الدراما السورية حضورها للانتهاء بقول: “الدراما السورية موجودة رغم الحرب” فهذا خطأ فادح.
إن التسخيف بعقل المتلقي يؤدي إلى نتائج سلبية عميقة، وهو ما لم يتم مراعاته من قبل القائمين على منح الموافقات على إنتاج أعمال تخلو من أي مضمون، وإذا كان من يقرر تحريك عجلة الإنتاج التلفزيوني في الدراما يخضع لسطوة شركات الإنتاج الكبرى لتحقيق الأرباح، بغض النظر عن المستوى المقدم، فهذا لا يبرر وقوعه في الخطأ، كما لا يبرر الاعتراف بوجود شركات صغيرة أُنشِئتْ للتو لتضطلع بمهمة التأثير بالخط البياني لمستوى الدراما السورية دونما إشراف مباشر أو تدقيق بالمنفَّذ من الأعمال، إذ يبدو أن الأثر كارثي إن استمر على هذا النحو، إذ يغدو “عمل من لا عمل لديه”.
بدا واضحاً وجلياً في الدراما السورية خلال سنوات الحرب وخاصة هذا العام، الانسياق وراء تقديم صور مختلفة عن واقع الإنسان السوري في ظل الحرب، ولكن لنسأل هنا: هل استطاعت الدراما التأثير إيجاباً بالمتلقي لتساهم بتشكيل الوعي الصحيح لديه؟ هل كانت هناك محاولة جدية وفعلية لإظهار حقيقة ما يجري دونما تجنٍ أو مبالغة أو حتى سطحية وابتذال؟
هنا تكمن الفائدة المثلى في الحصول على الإجابة المنطقية والواقعية التي تُمكِّننا من الوصول إلى نتائج دالّة على ما يجب تقويمه، ولتساهم الدراما بحق في وعي المتلقي لا الاستمرار في العبثية والسلبية المستشرية على الأرض من فئات لابد من التوجه إليها ومحاكاتها فيما يجري.
كل ما مر ذكره، لا يلغي ولا ينفي وجود أعمال حققت نجاحاً لافتاً، ولأجل هذا، نتمنى أن يصار إلى إعداد دراسة جدية وحيادية لكل ما تم تقديمه، هنا فقط.. نستطيع تجاوز العثرات وتحقيق المستوى الأفضل.
نضال كرم