انكشاف المتاجرة بالإرهاب
التحذير السوري من الإرهاب ظاهرة تاريخيّة معروفة من القرن الماضي، فليس الموقف العربي السوري من الإرهاب جديداً طارئاً، ولا حديثاً وليد الظروف الراهنة التي تعيشها المنطقة والعالم. ويستمرّ اليوم هذا الموقف بمبادئه المعروفة التي لا يمكن نكرانها، على الرغم من متاجرة الرجعيين العرب والأطلسيين والصهاينة ومعارضة الارتزاق والأقلام المأجورة بها.
ومع تمدّد الظاهرة الإرهابية وتوسّعها وسرعة انتشارها وتوالدها وانشطارها جماعات وفِرق وتنظيمات نوعيّة ولا نوعيّة في الوقت نفسه، اضطرب الغرب ودول الخليج أمام الانفلات المفاجئ خاصة للأحداث الأخيرة في العراق وغزّة ولبنان، وأدركوا صواب ماحذّرت منه سورية منذ بداية الأحداث من أنَّ دعم الإرهابيين في سورية سيؤذي الجميع وكانت المبادرات السعودية والأمريكية تحديداً فاشلةً ومخجلةً ومخزيةً في الوقت نفسه لأنها قامت بوضوح ودقة على ازدواجية مفضوحة مكشوفة، وعلى نفاق سخيف كتب فيه كثيرون حتى من الأمريكيين والسعوديين.
وعلى الرغم من أنَّ وسائل التضليل الإعلامي والثقافي والسياسي بشخصيّاتها ومنابرها ووسائلها بذلت جهوداً كبيرة لإقناع الرأي العام بأنَّ القيادة السياسية في سورية أفلحت في نقل المشهد الاحتجاجي إلى صدام الدولة مع الإرهابيين، فإنَّ هذه الوسائل اليوم تقع في دائرة الفشل والكذب بعدما تكشّف أنَّ الدولة والمجتمع في سورية ومنذ اليوم الأول للأحداث يواجهان مخططاً إرهابياً حقيقياً مدروساً ومموّلاً قبل زمن ليس بالقصير، وينطلق من صدام تاريخي بين ثوابت الدولة الوطنية وبين الجماعات الإرهابية التكفيرية بجذورها التاريخيّة المعروفة، ولاسيّما بعد تمدّد المشهد الإرهابي إلى ساحات لم تكن بالحسبان.
من الذي يتاجر بالإرهاب والإرهابيين ويراهن عليهم إذن؟
سورية لا تزال تعاني من ازدواجية المعايير التي يتّبعها الغرب وأزلامه في المنطقة «في الحرب على الإرهاب» ولطالما استمرأ الغرب والصهاينة والرجعيّة العربيّة الخلط بين الإرهاب والمقاومة الوطنيّة ولاسيّما في سورية ولبنان وفلسطين والعراق…، وهذا دقيق لعدة اعتبارات ووقائع منها:
– طلب الإخوان في غزّة من العصابات المسلحة في سورية «إشعال الجبهة الشمالية» مع العدو الإسرائيلي فرفضت هذه العصابات مؤكدة تنسيقها مع العدو ضد خصم وحيد مشترك هو النظام السياسي في سورية والدولة الوطنية فيها.
– سطوع المنشأ والمعنى والتشكيل الصهيوني للجماعات الإرهابية الوهابية من حيث التشابه في أصل المنشأ «بريطانيا» ثم التحوّل باتجاه أمريكا والرجعيّة العربيّة حيث الإفادة المباشرة وغير المباشرة الصهيونيّة والإرهابيّة من فائض البترودولار، والتشابه أيضاً في العنف والتطرّف والتوسّع والقتل، إضافة الى التوافق على مناهضة المشروع الوطني التحرّري العربي وقضيّته المركزيّة فلسطين.
– استمرار ازدواجية المعايير والنفاق الأمريكي السعودي في «الحرب على الإرهاب»، وخلاصته الدقيقة ماكتبه روبرت فيسك في صحيفة الإندبندنت البريطانية مطلع هذا الأسبوع من أنَّ «أوباما لم يقل شيئاً عن حليفته الودود السعودية التي يشكّل سلفيّوها مصدر إلهام وجمع تبرعات للإرهابيين في سوريّة والعراق، تماماً كما كانوا لحركة طالبان، لذلك يتم العمل على أن يبقى الجدار الفاصل بين السعوديين والوحوش التي يخلقونها وتقصفها أمريكا اليوم مرتفعاً جداً وغير مرئي… أوباما يقصف أصدقاء حلفائه السعوديين… فهل هذا بمثابة إلهاء عن جرائم إسرائيل في غزّة؟».
إنَّ الظاهرة الإرهابية الشرق أوسطية اليوم لا تشكّل أبداً تحوّلاً جذرياً مفاجئاً في تاريخ الإرهاب، وكذلك النفاق والازدواجية في «الحرب على الإرهاب»، وإنَّ المعارضة المسلحة كانت ولا تزال إرهاباً، والفرقُ كبير وواضح بينها وبين المقاومة والمعارضة الوطنية.
كما أنَّ القلق الذي أبداه خبراء ومندوبو فرنسا وبريطانيا واستراليا والولايات المتحدة في مجلس الأمن من العصابات الإرهابية هو متاجرة بالإرهاب، ولن يخرج عن الازدواجية التي ستفضحهم وتحبطهم في الوقت نفسه.
بالمحصّلة: لا يمكن الخروج من هذه الأزمة الكبيرة في المنطقة، ولا يمكن البحث عن تسوية كبيرة أيضاً فيها دون توافق إقليمي ودولي يأخذ بالحسبان القيمة التاريخيّة للصمود السوري المستمر في وجه الإرهاب والعدوان والاحتلال، والمنعكس الإيجابي لهذا الصمود على الدولة الوطنية السورية بثوابتها ومؤسساتها وقيادتها، وعلى الاستقرار والأمن الاقليمي والدولي.
د. عبد اللطيف عمران