توعد بمواصلة ملاحقة معارضيه وإغلاق مواقع التواصل أردوغان لم يعد يخشى الكشف عن ميوله الاستبدادية
بعد11 عاماً قضاها في رئاسة الحكومة التركية، وكرّس فيها هيمنة حزب العدالة والتنمية على مقاليد السلطة في تركيا، وقمع فيها الحريات الشخصية والعامة، لم يكتف رجب طيب أردوغان بكل ذلك، بل تشهد تركيا اليوم توجهه نحو فرض نفسه كمستبد يمسك بمقاليد الحكم وينصّب نفسه حاكماً أوحد للبلاد، معيداً للأذهان نموذج السلاطين العثمانيين.
ولم يبد أردوغان في أول كلمة رئيسية له منذ إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية أي مؤشر يُذكر على تخفيف لحدة خطابه الناري ولا نهجه السياسي الحاد، وحثّ أردوغان، الذي يظل رئيساً للوزراء وزعيماً لحزب العدالة والتنمية حتى تنصيبه رسمياً، قيادات الحزب في الأقاليم التركية أن يستمروا في التركيز على ضمان أغلبية برلمانية أكبر في الانتخابات التي ستجري العام 2015 لتمكين الحزب من تعديل الدستور.
ووضع أردوغان محصلة إيجابية جداً لسنوات حكمه رافضاً أي انتقاد له بالتسلّط، وكرر تأكيد اعتراضه على شبكات التواصل الاجتماعي، التي حظرها في مطلع العام، مشبهاً إياها بالمخدر.
هذا وحظرت السلطات التركية في آذار طوال عدة أسابيع موقع نشر الفيديوهات “يوتيوب” وموقع تويتر للرسائل القصيرة، في محاولة لمنع انتشار تسجيلات اتصالات هاتفية على الانترنت تثبت ضلوع أردوغان في فضيحة فساد واسعة، لكن في النهاية حكمت المحكمة الدستورية بأن هذا الحظر مخالف لحقوق وحريات الأفراد وقررت إلغاءه. ورغم أن الفوز الذي حققه أردوغان كان باهتاً وضئيلاً بحصوله على نسبة تجاوزت بقليل أصوات نصف الناخبين الأتراك، إلّا أنه حاول أن يعطي انطباعات مختلفة حول ذلك، حيث ذهب في أول تصريح له لتقييم النتائج يكشف عنجهيته إلى حد القول: إنه “حتى الرسول لم يحظ بدعم الجميع فيما نحن حصلنا على دعم 52 بالمئة من الناخبين”، وهو ما اعتبره الكثير من المراقبين تعبيراً عن حالة من “الغرور السياسي والتعجرف السلطوي” لم يسبقه إليها أي من الحكام في تاريخ تركيا حتى أيام السلطنة العثمانية.
ووفق المتابعين فإن أردوغان لم يقصّر طوال فترة توليه رئاسة الوزراء في استخدام كل وسائل التعسف والقهر والعنف ضد كل معارضيه، كما حوّل الخيار الديمقراطي، الذي ادعى أنه من أربابه، إلى مجرد سلم للوصول إلى السلطة، التي جعل منها نموذجاً للتفرد والديكتاتورية، بينما كانت طريقة تعامله القمعي مع متظاهري ميدان “تقسيم” في اسطنبول نموذجاً فاقعاً لهذا التوجه، إضافة إلى حملات الاعتقال التي طالت الإعلاميين والنشطاء السياسيين وصولاً إلى رجال الأمن والقضاة، الذين شك في ولائهم لسلطته بعد انكشاف فضائح الفساد التي تورطت فيها حاشيته.
وأدت هذه السياسات التي اتبعها أردوغان إلى شرخ داخلي في تركيا وانقسام مجتمعي بناء على نظرية “المؤامرة”، التي يدّعي بأن خصومه يحيكونها له، وعلى ضوئها يقصي كل خصومه وكان آخرها، بالأمس، حيث أصدرت محكمة تركية قراراً باعتقال نائب مدير إحدى الشعب الأمنية “كورشات دورموش”، على خلفية الاشتباه بانتمائهم إلى “الكيان الموازي” المتهم بالتغلغل داخل الجهاز الأمني.
يُشار إلى أن الحكومة التركية تصف جماعة “فتح الله جولن” المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية “بالكيان الموازي”، وتتهمها بالتغلغل في سلكي الشرطة والقضاء والوقوف وراء حملة الاعتقالات التي شهدتها تركيا في 17 كانون الأول 2013 بذريعة مكافحة الفساد، كما تتهمها بالوقوف وراء عمليات تنصت غير قانونية، وفبركة تسجيلات صوتية.
ويسعى الرجل، من خلال ما أسماه “تركيا الجديدة” في حملته الانتخابية، إلى تعزيز صلاحيات المنصب الرئاسي، الذي كان بروتوكولياً إلى حد كبير حتى الآن، والاحتفاظ بالسيطرة على السلطة التنفيذية.
وندد معارضوه بهذا المشروع واتهموه بالسعي إلى إنشاء نظام رئاسي، في حين رد أردوغان بالقول: “إنه ما أن يؤدي القسم الرئاسي، فسيصبح رئيس 77 مليون تركي، بلا أي تمييز”، علماً أن نظامه قمع بقسوة احتجاجات شعبية صيف 2013 التي قادها شباب.
ويثير سجله الذي طبعته العديد من فضائح الفساد والرشوة التي عصفت بحكومته المخاوف من وضع تركيا في ظل نظام فاسد لخمس سنوات مقبلة، وربما لعشر سنوات، حيث لا يخفي طموحه إلى رئاسة ثانية، ووضع تركيا في ظل نظام رئاسي بحيث يكون مطلق الصلاحية في تحديد سياسة بلاده في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية.