تشديد العقوبات وإيجاد ضوابط لضبطها.. أصبحا مطلباً وطنياً تبييض الأموال ظاهرة تنتشر في ظل أزمة يسعى أشخاص إلى تضخيمها لجني “عائدات مريبة”!!
أفرزت الأزمة جرائم مختلفة كانت بالنسبة للمجتمع السوري غريبة عليه، لتصبح لاحقاً جرائم عادية تتداول على ألسنة الناس كسرقة السيارات والاتجار غير المشروع بالأعضاء البشرية، إضافة إلى عمليات هائلة لتمويل العصابات المسلحة قامت بها مؤسسات دولية وإقليمية وأفراد.. بالمحصلة، كونت لفاعليها مصدراً مالياً ضخماً دفعتهم إلى جريمة أخرى وهي غسل الأموال عبر تبييضها –أي تشريعها– باللجوء إلى شراء العمارات والأراضي والمحال التجارية أو الآليات.
العديد من المحاولات والمناورات يجريها هؤلاء لإخفاء مصادر أموالهم غير المشروعة، وخلق تبريرات وأكاذيب كأن تسمعهم يدّعون بأنهم ورثوها، أو أنهم ربحوها في ورقة يانصيب، في البورصات الخارجية، حقّقوها من التجارة، والكثير الكثير من الحجج لتغطية المصدر الحقيقي لأموالهم.
مأجورون
وهنا يأتي دور السماسرة، والمأجورين في تبييض أموال هذا الشخص، عبر شراء عقارات بأقل من ثمنها الأصلي، ودفع الفرق تحت الطاولة، -وذلك حسب متابعات المحامي محمد المحمد- الذي أوضح خطوات تبييض الأموال التي تتمّ في الوقت الراهن، حيث يتم تسجيل رقم في الأوراق الرسمية والمبلغ الأصلي يكون متفقاً عليه، وأيضاً يقوم العميل بشراء عقار وعند توقيع العقد يتمّ استبدال اسم الشاري، أو أن يقوم العميل ببيع ملكية بأقل من سعر السوق مع تسجيل سعر أعلى على الوثائق الرسمية.
عميل يشتري تحفاً وعقارات من دون أن يبدي أي اهتمام بالموقع أو الحالة، أساليب عدة ومتعددة لغسل الأموال يقوم بها بعض التّجار والسماسرة لمصلحة أشخاص مشبوهين، على ذمة المحمد؟!.
معلومات
معلومات قضائية موثقة أكدت أن جرائم غسل الأموال خلال الأزمة ساهمت بشكل مباشر في تضخيم أسعار العقارات -على سبيل المثال- وذلك نتيجة قيام بعض رجال الأعمال بشرائها بأسعار باهظة قد تصل إلى مئات الملايين في بعض المناطق -كما حصل في منطقتي يعفور والصبورة، وريفي طرطوس واللاذقية-، وكشَفَ قاضي الإحالة الأول في ريف دمشق عبد الأحد سفر أن هناك بعض الأشخاص نجحوا وإلى حدّ ما في تغيير هوية الأموال التي لها علاقة بعمليات غير مشروعة، وذلك تمويهاً لمصادرها الحقيقية التي تظهر على أنها ناجمة عن عمليات مشروعة، لافتاً إلى أن أخطر مصادر جريمة غسل الأموال الدعارة وتهريب السلاح إضافة إلى الاتجار بالأشخاص.
قبل بدء الأزمة بعدة أشهر اعترف البنك الدولي بنجاح سورية في تطوير التشريعات الخاصة بمحاربة غسل الأموال، وبما يمكنها من تطبيقها بشكل صارم، وأنها تسير باتجاه امتلاك المؤهلات الخاصة بمحاربة هذه الظاهرة وفق معايير عالمية -على حدّ تعبير هبة شمس الدين المستشارة القانونية في البنك– وكان لنجاح الحكومة السورية القائمة وقتها في وضع الخطوات السليمة لمكافحة غسل الأموال، دور بارز في دفع البنك الدولي للإعراب عن استعداده وصندوق النقد الدولي -في أكثر من مناسبة- لتقديم المساعدة الفنية والخبرات لتمكين سورية من تجربتها وفق الشكل المطلوب، إلا أن الظروف الراهنة زادت من عدد جرائم غسل الأموال، ما دفع القاضي سفر إلى دعوة المشرعين لتعديل القانون الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 33 لعام 2005 الذي جرّم فيه غسل الأموال، بحيث يتم تشديد العقوبات، وإيجاد ضوابط حقيقية لضبط هذه الجريمة الخطيرة، وذلك من خلال إجراء دورات للقضاة وضباط الشرطة، ولاسيما أن هذه الجريمة بحاجة إلى آلية دقيقة لضبطها، من وجهة نظر سفر.
غير مشروعة
ويوضح المحامي المحمد هنا المراحل الثلاث التي تمرّ بها عملية غسل الأموال بشكل عام، وهي: ارتكاب جريمة أصلية (وهي محددة ومعددة في المرسوم 33 لعام 2005)، وينتج عن هذا الجرم.. أموال، ولدى توافر العنصرين السالفي الذكر يحدث جرم غسل الأموال من خلال تحويل الشخص المالك لرأس المال وإخفاء مصادر أمواله غير المشروعة وخلق تبريرات وأكاذيب. وبدوره سفر بيّن أنه يُعدّ من قبيل ارتكاب جرم غسل الأموال كل فعل يقصد منه إخفاء المصدر الحقيقي للأموال غير المشروعة بأي وسيلة كانت، أو إعطاء تبرير كاذب لهذا المصدر، مشيراً إلى أن تحويل الأموال أو استبدالها مع علم الفاعل بأنها غير مشروعة لغرض إخفاء أو تمويه مصدرها، أو مساعدة شخص ضالع أو ارتكاب الجرم للإفلات من المسؤولية.
ويجمع الكثير من المحامين والقضاة على أن العقوبات وفق القانون /33/ تصنّف ضمن العقوبات المتشددة على مستوى التشريعات الدولية، حيث حدّد الاعتقال المؤقت من ثلاث إلى ست سنوات وبغرامة تعادل قيمة الأموال المضبوطة، أو بغرامة تعادل قيمتها في حال تعذّر ضبطها، على ألا تقلّ عن مليون ليرة سورية كل من قام، أو تدخل، أو اشترك بعمليات غسل أموال غير مشروعة ناجمة عن إحدى الجرائم المعدّدة في القانون على سبيل الحصر، والتي تشكل جريمة أصلية لجرم غسل الأموال، وهو يعلم أنها ناجمة عن أعمال غير مشروعة، مالم يقع الفعل تحت طائلة (عقوبة أشد).
وتشدّد هذه العقوبة إذا ارتكب الجرم في إطار (عصابة إجرامية منظمة)، كما يعاقب أيضاً على الشروع جريمة غسل الأموال غير المشروعة الشريك والمتدخل، والمحرض، والمخبئ (بعقوبة الفاعل الأصلي) ونصّ المرسوم على مصادرة كل هذه الأموال.
ويتمّ لصق الحكم ونشره، وطرد غير السوري ومن في حكم السوري من الأراضي السورية، وتسليم المتهم إلى سلطات بلاده، أيضاً إقفال المحل ووقف الشخصية الاعتبارية عن العمل، وحلّ الشخصية الاعتبارية في حال التكرار، من دون الإخلال بالمسؤولية الجنائية للأشخاص الطبيعيين.
دهاليز
ويعدّ غسل الأموال أحد صور الجرائم الاقتصادية المضرّة بأمن الدولة من جهة الخارج والداخل، وهو بمثابة الرشوة واختلاس المال العام والعدوان عليه، وجرائم المسكوكات والزيوف المزورة والتزوير؛ عمليات تبييض الأموال أخذت تتكرّر وتزداد عبر أشخاص استطاعوا بشكل أو بآخر أن يدخلوا دهاليز المجتمع المظلمة من خلال ضعاف النفوس، والأخطر أن معظمهم جاؤوا بأموالهم الخيالية من خارج الحدود لأهداف سياسية قبل أن تكون اقتصادية، لزعزعة استقرار وأمن الوطن، وبالتالي أصبح كشف أقنعة هؤلاء واجباً وطنياً بامتياز قبل أن يكون مطلباً قضائياً؟!.
دمشق- سامر حلاس