غياب إستراتيجية الزراعة.. أولاً.. وعاشراً.. تضع عربة التحديات الزراعية والاستفادة من الواردات المائية أمام حصان محاصيلنا
يواجه القطاع الزراعي المستقبلي العديد من التهديدات، مثل محدودية الأراضي الزراعية وتدني إنتاجها مقابل النمو السكاني المتسارع، فضلاً عن النقص الحاد في المياه وسوء استخدام ما هو متاح بالشكل الأمثل والأفضل، يضاف إلى ذلك ضعف خصوبة التربة وانخفاض الاستثمارات في تقنيات الري المقتصدة للمياه.
55% سببها..
ولعلّ الأهم في القضية أن هناك من ينسب نحو 55% من الزيادة في الإنتاج الزراعي إلى الاستعمالات الزائدة من الأسمدة لدرجة الإفراط والمغالاة، وطبعاً هذا الكلام لا ينطبق على جميع المزارعين، إنما على الميسورين منهم والمقتدرين على هذه المغالاة في استخدام هذه الأسمدة.
ولعلّ جولة واحدة إلى أسواق الهال وهو المكان الذي يستجر منه باعة المفرق الخضار والفواكه وكل الإنتاج الزراعي، تكفي لمعرفة حجم إنتاجنا الزراعي المتعدد والمتنوع، لكن السؤال المهم في هذه القضية: من يقبض أكثر ثمن هذه المنتجات المزارع المنتج.. أم التاجر؟.
على حساب
وبالعودة إلى سلامة الغذاء من الأسمدة والمبيدات، لابد من الإشارة إلى أن الغذاء يعدّ قضية أساسية للصحة العامة، ووفقاً لذلك لابد من اتخاذ العديد من التعديلات لمواصفات هذه المنتجات لجهة الإقلال من استخدام الأسمدة الكيماوية واستبدالها بالأسمدة العضوية، فقد دفع ضيق المساحات الزراعية إلى الإفراط باستخدام المواد الكيماوية والمبيدات من أجل زيادة الغلة على حساب الصحة العامة، وهذا ما يحدث في البيوت البلاستيكية ذات المساحات الضيقة.
بالحساب والنسب
هذا بالنسبة للشق الأول من القضية الإنتاجية، أما ما سيواجه زراعتنا مستقبلاً فيتمثل بضعف الموارد المائية، ولاسيما المتجدد منها وعدم كفايتها للمساحات المزروعة إنتاجياً، حيث تبلغ نسبة التبخر والمضياعات المائية التي لا يمكن الاستفادة منها نحو 77% من إجمالي الهطولات في سورية وتبلغ نسبة التبخر 63% في حوض بردى والأعوج و65% في حوض الساحل و69% في حوض العاصي و77% في حوض اليرموك و88% في حوض الفرات وأخيراً 96% في حوض البادية.
في الوقت الذي تشكل واردات سورية المائية السنوية نحو 45.5 ملياراً من مياه الإمطار، يضاف إليها نحو 33 مليون متر مكعب من مياه الأنهار والينابيع، ليطرح السؤال الكبير نفسه: هل نحسن استخدام ما هو متبقٍ من إجمالي كميات المياه هذه؟
63% هدراً
في ضوء معرفتنا واطلاعنا على ما يجري في مجال محافظة حماة نلاحظ أن 63% من واردات سهل الغاب المائية تذهب هدراً ومصدر معلوماتنا هذه وزير الزراعة السابق الذي كان قد أدلى بها في اجتماع رسمي في منطقة الغاب عندما أعلن انطلاقة مشروع الاغروبلس قبل الأزمة الراهنة وتحديداً في عام 2010 ما يعني شيئاً واحداً هو ما تحتاجه زراعتنا المياه وحسن استخداماتها وعقلنتها وكل ما يأتي بعد ذلك “فراطة”.
إعادة الأولوية
خلاصة الحديث، قد تواجه الزراعة أهم تحدياتها والمتمثلة في غياب الموارد المائية الكافية لمحاصيلنا، ما يعني أنه يتوجب على الحكومات القادمة أن تجعل من أولوياتها النهوض بالشأن الزراعي وأن تعيد النظر بكافة السدود المتهالكة والمنهارة والخارجة عن الخدمة لأمور فنية بغية الاستفادة من كل قطرة مياه وحصد كل الهطولات المطرية السنوية، ولعلّ تخلي الحكومات السابقة قبل خمسة عشر عاماً من الآن عن إستراتيجية الزراعة أولاً شكل شبه كارثة حقيقية على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، ولولا تمسك المزارعين بأرضهم رغم كل ما لحق من ارتفاع بأسعار المستلزمات، لما كان لدينا هذا الإنتاج الكبير من الخضراوات والفواكه، في حين غاب تخزين الحبوب في العراء، بل ومن الصوامع أيضاً.. واحسبوها معنا.
حماة– محمد فرحة