في ندوة “أعلام خالدون” د.عبد القادر الأرناؤوط أول من أوجد الإعلان في سورية
“لم يكن إنساناً عادياً وهو الذي كان موهوباً ومبدعاً منذ طفولته، وقد كانت بشائر الإبداع تبدو عليه فكان الجميع يتوسم فيه الانطلاقة نحو الأدب والثقافة، خاصة وأنه كان سريع الحفظ لأبيات الشعر، فكان ذكياً وموهوباً دائماً” بهذه الكلمات بدأ د. عبد اللطيف الأرناؤوط كلامه عن شقيقه الراحل د. عبد القادر الأرناؤوط الذي كان محور الحديث مؤخراً في ثقافي “أبو رمانة ضمن “سلسلة “أعلام خالدون”، وقد شارك فيه الفنان التشكيلي د. غسان سباعي والباحث غسان كلاس .
مغامرته في الرواية تثير الإعجاب
وأكد د. عبد اللطيف في بداية كلامه أن العائلة لم تتوقع أبداً أن يتجه عبد القادر نحو الفنّ، خاصة وأنه بدأ بإلقاء الشعر أولاً من خلال منبر مدرسته الابتدائية مدرسة الملك الظاهر، لتبدأ في المدرسة الإعدادية بوادر كتابة الشعر عنده، وفي المرحلة الثانوية نشر أشعاره في بعض الصحف والمجلات مثل “دمشق المساء” وفي هذه المرحلة بين د. عبد اللطيف أن الراحل تعرّف على نعيم وأدهم إسماعيل ومروان قصاب باشي وبدأ يسلك مسلك الرسم والفن، وأصبح ينجز لوحات، فأقام أول معرض له بعنوان “لوحات بلا أسماء” ضمّ مجموعة من اللوحات دون أسماء رغبةً منه في أن يفسِّرَ كلُّ مُشاهِدٍ اللوحات حسب فهمه، مشيراً إلى أن شقيقه عبد القادر كتب بعد الشهادة الثانوية مجموعة من القصائد نشر بعضها وظلّ البعض الآخر محفوظاً، منوهاً إلى أنه نشر كتاباً لخّص فيه تجربة الراحل في مجال القصة القصيرة، مبيناً كذلك أن عبد القادر كتب رواية وحيدة وتوفي قبل أن ينهي فصولها وهي بعنوان “غداً سأشعر بحاجة إلى الأفيون” مؤكداً أن مغامرة عبد القادر في الرواية وهو في العقد الثالث من عمره أمر يستثير الإعجاب ويدل على تعدد مواهبه ووعيه المبكر لأن العمل الروائي يتطلب خبرة واسعة وتجربة حياتية غنية، مشيراً إلى أن الرواية تدور حول حياة الكاتب نفسها أو صورة عنها، وهو لم يستقِ من الحياة بعض الأحداث ليفضل فيها سرد التفاصيل الحياتية، أما شعره فكان رمزياً سريالياً في معظمه كما أشار د. عبد اللطيف.
فهم التجريد فهماً حقيقياً
أما الفنان غسان سباعي فقد أشار إلى أنه التقى بلوحات عبد القادر الأرناؤوط عام 1965 في معرض الخريف قبل أن يلتقيه وجهاً لوجه، وقد لفتت اللوحات نظره من الناحية الفنية فكان يعالج اللون بأسلوب تجريديّ شفاف فيه الكثير من الصوفية، منطلقاً إلى تجارب أخرى مبتكرة وحديثة وهو الذي فهم الفن الحديث بأصوله وبشكل حقيقي عكس الكثيرين ممن قلدوا، مشيراً إلى أنه درس في إيطاليا وتشبّع بالثقافة الأوربية وكانت أصوله ألبانية لكنه كان شامياً بكل معنى الكلمة، وكثيرون تعرّفوا على الشام من خلال بيته ومرسمه الذي كان ملتقى يلتقي فيه جميع الكتّاب، موضحاً سباعي وهو الذي شاهد عبد القادر ينجز لوحاته أنه كان يبدع ضمن طقس لا يمكن أن يحيد عنه، فكان دقيقاً في عمله، عفوياً ومنطلقاً في الوقت ذاته، وكان أثناء ذلك يشعر بمتعة لا مثيل لها، مؤكداً أنه أول وأهم من أوجد الإعلان في سورية بالطريقة العلمية والتقنية المبتكرة لأنه لم يكن مقلداً بل مبدعاً، فظهرت إعلاناته بشكل واضح وهام ولا سيما في معرض دمشق الدوليّ، فكانت وما زالت بشهادة الجميع من أرقى الإعلانات حتى الآن فأسس مدرسة في هذا الاتجاه لدقة وجمال ما أنتجه، بالإضافة إلى براعته في تصميم الأغلفة في سورية ولبنان منها أغلفة مبتكرة ورشيقة لكتب نزار قباني وقد ابتكر خطاً خاصاً به يتناسب مع أسلوبه الفني الغرافيكي، مبيناً سباعي كذلك أن عبد القادر الأرناؤوط في حروفياته استخدم الحرف العربي كتشكيل ولم يستخدم الكلمة المقروءة لأنه أراد من الحرف جماليته لا أدبيته، وكان يريد أن يبعد الفن التشكيليّ عن اللغة الأدبية، وهذا يعني برأيه أن عبد القادر فهم التجريد كمدرسة فهماً حقيقياً علمياً وحسياً، مشيراً سباعي كذلك إلى أن عبد القادر كان ضمن مجموعة العشرة التي أُنشِئت بعد هزيمة حزيران 1967 وقد كان أحد أعمدتها والتي حاول فيها كل فنان وبأسلوبه الخاصّ أن ينتج أعمالاً تتميز بالجدية والعمق، مؤكداً أن عبد القادر وجيله جيلٌ جدّي حمل قضية الفن ودافع عنها آسفاً على الوضع الحاليّ للفن بعد أن تحول إلى تجارة ومجال ارتزاق للكثيرين بدلاً من يكون قضية حقيقية يتم الدفاع عنها.. وختم سباعي كلامه عن الراحل بأنه عُرِف عندما درَّس في كلية الفنون الجميلة بعلاقاته الوطيدة مع طلبته وقد كان سهل المعشر يتمتع بروح الفكاهة والنكتة.
مبدع حقيقيّ للكلمة
في حين كان مدير الندوة الباحث غسان كلاس قد بيّن في تصريحه لـ “البعث” قبل بداية الندوة أنه لم يلتقِ عبد القادر أرناؤوط، ولكنه كان يعرفه حقّ المعرفة من خلال الراحل ياسر المالح الذي كان يحدثه عنه كثيراً ويقدم له بعض القصائد التي كان ينظمها في مناسبات شتى، إضافة إلى ما قرأه عنه، من خلال الكتاب الذي أصدره شقيقه د.عبد اللطيف الأرناؤوط وقد تناول فيه السيرة الذاتية والأدبية والإبداعية والنقدية الغنية لعبد القادر رغم عمره القصير، مبيناً كلاس أن العمر لو امتدّ به وهو الذي عاش 56 عاماً فقط لكان هناك المزيد من الإبداعات له، مؤكداً أنه مبدع حقيقيّ للكلمة وهو الذي كتب الرواية والقصة والشعر.. من هنا كان لا بدّ أن يتوجه كلاس بالشكر للمركز الثقافيّ في أبو رمانة على سلسلة “أعلام خالدون” التي تتم الإضاءة من خلالها على مبدعين مرّوا في تاريخنا وكانوا علامة فارقة.
أمينة عباس