نقطة ساخنة تفوق مغبون..؟!
على اعتبار أن لكل مجتمع أعرافه التي لا يمكن اختراقها إلا في استثناءات تُحَوّل “المخترق” إلى نشاز، ينحسر التفوق الدراسي في ثقافتنا إلى حدود رَسَمَها العرف الاجتماعي في قالب خشبي لا يحتمل الكسر.
ومع أن الأعراف ليست بالضرورة صحيحة، يختزل التفوق بنظر مجتمعنا في شرائح محدّدة تتربع على المراتب الأولى التي ألغي التصنيف فيها، حيث يظهر هذا الانحسار جلياً خلال فترة ما بعد نتائج الشهادة الثانوية، وبعد أن يكون زرع في أدمغة الأبناء أن التفوق مرتبط فقط بالطب والهندسة والصيدلة وغيرها، وهي في جوهرها ممارسة فعلية لسياسة إلغاء مجحفة بحق الفروع الأخرى خاصة المهنية منها.
أما التجلي الحقيقي لتأثير هذا العرف السلبي، فيفرزه سوق العمل والوضع الاقتصادي ككل، حيث سوق العمل مُتَطَلب، والمهن متردية الأوضاع، ومنها آخذ بالاندثار، كذلك التأهيل ونوعية العرض وغيرها، وجلّها من مسبّبات هذه الثقافة التي تبخس التفوق في أي منحى عملي حقه، ولا تعتبر أن المتفوق بمهنة صناعة الموبيليا متفوقاً، ولا في الخِرَاطة، ولا في الجلديات ولا في الصوف وغيرها وغيرها متفوقاً، وما يكسبه المتفوق هنا من مردود مادي يرجعه مجتمعه إلى “الحظ”.
وما حصل في العقود الأخيرة تخريج أعداد كبيرة من الطلبة غير المؤهلين لدخول سوق العمل، مع أن الحكومة تصرف المليارات على قطاع التعليم، إذ لا يتمّ استثمار هذه المليارات في تقليص البطالة والتنمية، نتيجة الابتعاد عن التأهيل والمهنية الصحيحة، علماً أن نوعية العرض تحدّد إلى حد ما الطلب، فالذاكرة يمكنها استحضار الاستثمارات خلال “مرحلتها الذهبية” في السنوات الماضية، وكيف “تدللت” على الكوادر السورية واستقدمت الخبرات من الخارج بحجة “عدم التأهيل”.
وبما أننا ولجنا مرحلة إعادة الإعمار، والمستثمرون يعدون العدة للدخول في “معتركها”، لا يزال التركيز الحكومي على العنصر البشري غير وارد في زحمة الأولويات، خاصة بالنسبة للتعليم والتشجيع على الخوض في طريق التعليم المهني، ولم نلحظ تشجيعاً وتحفيزاً للدخول في علومه، مع أن إعادة الإعمار تحتاج إلى مئات الآلاف من العمال وفق الدراسات..
وقد يكون تفاعل المبادرات في هذا القطاع مع مفرزات الأزمة ومتطلبات إعادة الإعمار دليلاً يسترشد به في إعادة النظر بالتعليم المهني وتقديم محفزات جديدة لتعبئة الطلبة في صفوفه، تشجيعاً لدخول سوق العمل بقوة.
سامية يوسف
samiay@gmail.com