في ظل الحديث المتسارع وورشات العمل المتعددة حول تطوير إنتاجنا “الزراعي والحيواني” النوايا وحدها لا تكفي للعودة بهذا القطاع الاقتصادي الحيوي المهم إلى سابق تألقه.. والوقائع تؤكد
كثُرت الأحاديث في الآونة الأخيرة حول القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، فتارة نسمع عن ورشة عمل وطنية لتطوير إنتاج الثروة الحيوانية وترقيمها وإعادة الزراعة إلى سكة المسار الصحيح، وتارة أخرى تسهيل إيصال القروض للمربين، في حين قالت مديرية التخطيط في وزارة الزراعة بأنه تمّ تشكيل لجنة لمتابعة حالة المحاصيل الزراعية والتدخل عند الضرورة وإعطاء الأولوية للأقماح إلى ما هنالك من معزوفات حفظناها منذ سنوات!!.
قد تكون بعض هذه الطروحات فيها شيء جديد، لكن متى نرى مراحل التنفيذ، ولاسيما أننا حضرنا منذ سنوات العديد من هذه الندوات وورشات العمل ولم يتغيّر واقع الأمر بشيء، وانفضّ بعدها كل شيء، ما يعني بأن النوايا وحدها لا تكفي ولا تقدم ولا تؤخر وهي بسعر الكلفة.
وحدات معطلة
ففي الجانب المتعلق بالشق الزراعي ما زال الموضوع يراوح في مكانه، باستثناء بعض الهبَّات الساخنة أو النخوات المفاجئة التي سرعان ما تتلاشي، ليطرح السؤال نفسه ومفاده: لماذا لا يقوم عناصر البحوث العلمية الزراعية والفنيون في الوحدات الإرشادية بزيارة حقول المزارعين لتلقينهم مبادئ الزراعة المحافظة على الموارد، وكذا سبل زيادة الغلة الإنتاجية خلال معالجة البذور بتكلفة منخفضة بدلاً من الأسمدة؟، إذ ما زالت كوادر هذه الوحدات الإرشادية، ولاسيما الفنية منها معطلة وإن غامر أحد المزارعين وأراد استشارة أحد مهندسي هذه الوحدات، فإنه لايلقى أي استجابة أو حتى آذان صاغية، ما يجعله يعزف –مرغماً- عن العودة ثانية، لأن النتيجة بحكم التجربة دائماً ذاتها، وهذا ما يريده مهندسو هذه الوحدات الإرشادية الزراعية وبعض العاملين في بحوث الزراعة على مبدأ “منك.. ومو.. مني”.
بين رأيين
وعلى الرغم من كل ذلك ما زالت المسألة الزراعية تستحوذ على الاهتمام بالنسبة للفلاحين، فبين الإصرار على الزراعة التقليدية والمزارع العضوية الأخرى تصبح المواجهة حامية في بعض الأحيان، إذ يميل كل طرف إلى رأيه الخاص بدلاً من الوصول إلى أرضية مشتركة، فأنصار الزراعة التقليدية يدفعون بحجة مفادها أن الآلات الحديثة واستخدام الري الحديث والأسمدة الفعالة مجتمعة من شأنها أن تزيد الإنتاج الزراعي، وهذا من شأنه أن يسهم في تلبية الطلب المتسارع على الغذاء.. وبرأينا قد يكونوا مصيبين بذلك. أما أنصار المزارع المحلية والعضوية فيحاججون بأن المزارعين الصغار الذين لايملكون المساحات الكبيرة بوسعهم أيضاً زيادة الإنتاج إذا ما توفرت لهم المقومات الإنتاجية المطلوبة من تقنيات وتحسين خصوبة التربة من دون المبالغة والمغالاة في استخدام الأسمدة الصناعية أو المبيدات الكيماوية وهم على حق أيضاً.
لذا نرى أن الاتجاهين يقدمان لنا حلولاً زراعية نحن بأمس الحاجة إليها، وقد يكون من الحكمة في مكان أن ندرس جميع الأفكار الجيدة بما يسهم في زيادة إنتاجنا الزراعي ما يكفي حاجتنا والفائض يمكن تصديره.
والسؤال الحالي هو: أين وزارة الزراعة والبحوث العلمية من كل ذلك؟!
معلومات بالأرقام
على سبيل المثال.. منذ عام 2008 تحوّلت سورية إلى بلد مستورد للقمح بعد أن أنخفض إنتاجها منه إلى 2.8 مليون طن وإلى أقل من 2.5 مليون طن عام 2010، ثم إلى 2.7 مليون طن عام 2011، ليعاود الهبوط إلى 2.3 مليون طن عام 2012 وإلى 1.3 مليون طن عام 2013 فإلى 715 ألف طن هذا العام، وجميعها أرقام أقل من حاجة سورية البالغة 3.9 ملايين طن، وللعلم وحدها منطقة الغاب كانت تنتج من القمح 250 ألف طن، بينما لم تنتج هذا العام سوى 91 ألف طن!!.
ولو أخذنا الشوندر مثلاً أيضاً، فقد وصل إنتاجه إلى 1.7 مليون طن عام 2011، الأمر الذي أربك شركات السكر، فأقرت وزارة الزراعة تخفيضه إلى 1.2 مليون طن وفقاً للطاقة التصنيعية للشركات، ليصل بالتالي إلى أقل من 42 ألف طن؛ وما يقال في الشق النباتي يقال في الشق الحيواني!!.
أسمع كلامك..!
أما بخصوص الثروة الحيوانية فقد تراجع عددها وإنتاجها بشكل ملحوظ، ولهذا التراجع أسبابه ومبرراته، يأتي في مقدمتها غياب الاهتمام وتهميشها لتتحول إلى ثروة معطلة.
إلى ذلك يقول وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال: إنه جاد في تسهيل وصول القروض للمربين وتأمين استيراد الأبقار المحسّنة وتسهيل إقامة المنشآت الحيوانية.
وتعقيباً على جدية السيد الوزير نسأله: عن أي قروض تتحدث وعن أي تسهيلات، فإقامة حظيرة لتربية عدة (بقرات) تحتاج إلى ستة أشهر من المتابعة واللف والدوران وعشرات الموافقات، تبدأ من البلدية والخدمات الفنية والبيئة والزراعة والحراج وقسْ على ذلك؟!. فضلاً عن أن وزير الزراعة كان قد شدّد قبل أسابيع من الآن على عدم السماح بالتطاول والاقتراب من الأراضي الزراعية والحراجية، فأين سيتم الترخيص إذن؟ وما هذا التناقض في الأقوال؟ في الوقت الذي تحتاج فيه ثروتنا الحيوانية إلى الأعلاف والرعاية البيطرية وتصريف إنتاجها بما يلبي حاجة المربين، وهذا وغيره على أقل تقدير ليس كما يجب.
ما افتقدناه
نحن نعلم أن هناك جزءاً موضوعياً من الأسباب التي أدّت للتراجع في إنتاجنا الزراعي وتحديداً خلال الأزمة، لكن بالمقابل الكل يعلم أن هناك أسباباً غير موضوعية وعديدة ساهمت فيما وصلنا إليه من تراجع سواء ما قبل الأزمة وحتى فيها..
وفي الختام نسأل بجدية: هل يعاد الألق لقطاعنا الزراعي الذي افتقدناه منذ سنوات، ومتى سنرى ترجمة واقعية لما نسمعه من تنظير هنا وورشات عمل هناك، وتحويل كل هذا الكلام إلى سلوك يمارس، ولاسيما أن القطاع الزراعي هو العربة الأولى في قطار النمو الاقتصاد الوطني، فحقيقة أن جلَّ ما نأمله هو العودة للتفاخر بقطاعنا الزراعي، الذي كنا نتكنى به قبل عقدين من الآن؟!!.
حماة– محمد فرحة