العنبر 334 – جنود الفرح
أسبوع بلياليه، قضيته في أحد المشافي العسكرية، قضيته برفقة ابن عمي وهو جندي أصيب في إحدى المعارك الدائرة فوق كل الجبهات، الغريب أن كل نزلاء ذلك المشفى، مصابين إصابات خطرة جداً، لكن ما إن يستيقظ أحدهم من البنج، حتى يبدأ بالمزاح.. شباب يفتحون القلب بحق كنافذة .. شخصيات روائية بجدارة، أُخمّر أمزجتهم الرائقة في بالي تمهيداً ليكونوا من شخصيات العمل الروائي الذي أنوي البدء فيه “أولاد العساكر”.
رغم صرخات الألم التي تصدر من أحمد المزاوي وشيفان الحكساوي، وصهيب اللاذقاني حتى العظم، وطبعاًً ابن عمي، الذي ظهرت له شخصية مدهشة لم أكن أعهدها فيه قبلاً، إلا أنهم عندما يتحدثون عن الحرب، تشعر وكأنهم يحدثونك عن امرأة تخلب الألباب.
عندما أعود إلى البيت، لأنال قسطاً من الراحة بعد إرهاق طويل يتمشى معي بين أروقة المشفى، تصيبني حكة في رأسي، أشعر وكأن مخلب “باشق” يمزق ألفة البيت ليحيلها إلى مزحة لطيفة، مقارنة بأجواء الألفة العجيبة التي يشيعها سكان العنبر رقم “334”، الكردي الذي يستمع لـ “عادل خضور” وهو معجب بصوته وبما يقوله من شعر محترم “نعم يوجد شعر محترم وآخر غير محترم بتاتاً”، و” المزاوي” من رفض أن يُخبر أهله بإصابته أو أنه موجود على مقربة نصف كيلو متر من منزله، لأنه لا يستطيع احتمال دموع أمه، كدت أنسى “علاء” الشاب الذي عاصر ما حل ببلادنا منذ اللحظة الأولى، وما رواه لي من حكايات وقصص يقف لها شعر الرأس، لذا فإنني صرت أشعر بغرابة مدوخة عندما أغادرهم، فلا أجد نفسي إلا محشوراً في “السرفيس” متوجهاً إليهم، فاتني شيء مهم أقوله لكم: من يوزعون طعام النزلاء، صاروا يحسبون حسابي بوجبة من وجباتهم، سألت أحدهم: قل لي بحق: هل هذه الوجبة لأحد النزلاء هنا وقد جيرتها لي، فرمقني بنظرة تقول: يا باطل .. ألست مصاباً معهم أيضاً، انظر إلى وجهك في المرآة؟ تبدو وكأنك في الستين من العمر.
تمام علي بركات