محليات

منكوبة ثقافياً

لم يرُق لهم أن يرفل الوطن في حضن ذاكرته، لم تشفع حضارة آلاف السنين لشواهد الزمن الرابضة على مشارف التاريخ أن تبقى مضمّخة بعبق الماضي وأريج الذكريات الغابر، فاستلّوا فؤوس الغدر وانهالوا بكل حقد مشغّليهم تقطيعاً لأرواح حجارة التاريخ وأوابد إرثنا الحضاري..
ما الذي يمكن تذكّره، وشواهد تدميرهم الوحشي الممنهج تعتصر أفئدة السوريين بكثير من الألم، واعتداءاتهم التخريبية التي طالت العديد من المواقع الأثرية والتاريخية السورية لم تزل تسجّل في كل يوم حدثاً جديداً، فبالأمس القريب تم إحراق ناعورة الجعبري الكبرى التي تتوسط مدينة حماة والتي تعدّ من أقدم المعالم الأثرية التي لا تزال تعمل حتى الآن.
إذاً مناطق واسعة من سورية -كما بيّن مدير عام الآثار- هي الآن ثقافياً مناطق منكوبة، بسبب عمليات التنقيب والحفر السري والاعتداءات التخريبية التي طالت أوابدنا التاريخية ومعالمنا الحضارية، إضافة إلى اتساع عمليات تهريب القطع الأثرية إلى الدول المجاورة، الأمر الذي يوجب على الجميع أن يعمل لتوسيع دائرة التنديد بهذه الجرائم، وتأكيد ضرورة تنسيق مواقف دولية مشهودة، غايتها الدفاع عن تراث سورية ومساعدة الجهات المعنية المحلية للحدّ من الاعتداءات بكل أشكالها ومنع وقوع كارثة حضارية تخصّ التراث الإنساني الموجود في سورية.
إنها قضية أكثر من ضرورية ومهمّة تقع مسؤولية تنفيذها على عاتق الجميع من جهات حكومية وأهلية وأفراد، للوصول إلى توفير الحماية الحقيقية لهذه الثروة الوطنية الحافظة والحاضنة لتاريخنا وحضارتنا.
ومع تأكيدنا أهمية الإجراءات التي اتخذت ونفذت في هذا المجال والتي استطاعت تجنيب العديد من المواقع الأثرية المهمة، تبعات هذه الأعمال، فإننا لم نزل نعوّل كثيراً على التوسّع في إجراءات الحماية وتوسيع دائرة المشاركة الحقيقية في آليات تنفيذها على أرض الواقع ومتابعتها لتأطير لوحة المواجهة الحكومية والأهلية المطلوبة لصدّ جميع محاولات التخريب والإساءة إلى تراثنا الحضاري والثقافي والإنساني.
وهذا يقتضي تكثيف حملات التوعية الوطنية والحث على التشاركية وتأكيد الدور المهم والفعّال للمجتمع المحلي في كل تفاصيل خطط العمل والمواجهة والحماية.
وهنا لا بد من التنويه بالنداء الدولي الذي أطلق للدفاع عن تراث سورية وحمايته وضرورة دور المنظمات الدولية وإجراءاتها السريعة، لإنقاذ التراث الإنساني الموجود في سورية، وإبعاد المخاطر التي تهدّده.
محمد الآغا