المطلوب جدية بالتفعيل والعمل الدؤوب لنشر ثقافة مضادة في حضرة حكومتنا المرتقبة. ..استراتيجية مقترحة للقضاء على الفساد
ثلاث نقاط رئيسة لخّصها أحد المدراء المركزيين مناشداً الحكومة الجديدة عبر “البعث” أن تتعامل معها كإستراتيجية فعلية لمعالجة ملف الفساد وقطع أدباره، الأولى وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، والثانية الاعتماد على الكوادر والخبرات المؤهلة خاصة ذوي الشهادات العليا واليد النظيفة المعروفين بنزاهتهم ليأخذوا دورهم في المفاصل الحكومية لاسيما المهمة منها، أما الثالثة فتتمثل بوضع حد للمحسوبيات وما يتبعها من تداعيات لها الأثر السلبي الكبير في تفشي هذه الظاهرة.
استنباط
لعل هذا المدير – بوضع يده على الجرح – لم يأت بجديد، لكن ما يستنبط من مناشدته هو التعامل بجدية مع هذا الملف الشائك، بمعنى أن أسباب الفساد ومسبباته باتت معروفة للقاصي والداني، والحديث عنه لمجرد الحديث فقط لم يعد مجدياً، وبالتالي لا بد من اتخاذ خطوات صارمة غير قابلة للمساومة بحق كل متورط مهما كبر شأنه أو صغر، إذ أشار المدير إلى تورط عدد من معاوني الوزراء والمدراء العامين بقضايا فساد قبل سنوات الأزمة ولم يتخذ بحقهم أي إجراء، والسبب في ذلك حرصهم ودرايتهم بخفايا القوانين ودهاليزها تارة، والعمل ضمن منظومة محبكة يصعب تفكيكها تارة أخرى، إلا أن هذا لا يمنع في حال الجدية من التحقيق والتقصي والمحاسبة مهما كانت التكاليف المعنوية المادية عالية.
الإداري هو الأخطر
وأضاف المدير أنه لا أحد ينكر أو ينفي تفشي الفساد في متن الجهاز الحكومي وعلى عدة مستويات، لكن ليس الكل يجمع على إمكانية القضاء عليه، فأكثر المتفائلين يعتقد أن نسبة الحد منه ربما لا تلامس الـ70% وذلك على مدى سنوات طويلة قد تصل إلى عشرين سنة وما فوق، ما يعني أن الحاجة إلى عمل دؤوب وإرادة لا تكل ولا تمل، إلى جانب نشر ثقافة جديدة تشد من أزر العاملين على هذا الملف، والمواطن هنا ليس بمنأى عن المسؤولية فهو مدعو للمشاركة بتطهير البلد من الفاسدين عبر تغيير تعامله مع الموظف الحكومي وعدم إفساح المجال لابتزازه، مؤكداً أن الفساد الإداري هو أخطر أنواع الفساد بل هو المنبع الرئيسي لكافة أنواعه، موضحاً أن الفساد الموجود في إطار الوزارة التي يعمل بها – على سبيل المثال – جاء نتيجة خلافات موجودة بين بعض كبار المسؤولين لتحقيق مصالح شخصية وكيفية الاستئثار بها، وذلك من خلال إتباع المؤسسات الهامة والرابحة لهم دون الخاسرة منها التي تركوها تترنح بترهلها كسفينة تمخر عباب البحر بلا قبطان يرشدها إلى بر الأمان.
هدر مالي
يتحدث البعض عن مئات المليارات من الليرات السورية تضيع على الخزينة العامة للدولة سنوياً نتيجة الفساد، والبعض الآخر يتحدث عن مليارات تذهب سدى بغطاء قانوني يضمن عدم المحاسبة لاحقاً، والبعض الآخر لا يستطيع حصر الرقم معتبراً أنه يفوق الخيال محملاً الأجهزة الرقابية مسؤولية عدم المتابعة والمحاسبة، الأمر الذي جعل كرة المليارات تكبر شيئاً فشيئاً..!! وفي هذا السياق يبيّن المدير أنه إذا رجعنا إلى الموازنة العامة في وزارة المالية وما يقدر من نفقات وإيرادات لتنفيذ أعمال متعددة في الدولة، نجد أن هناك هدراً كبيراً لا نستطيع تقديره في هذه العجالة، ناهيك عن الهدر الناتج عن العقود المبرمة مع الخارج المغطات قانونياً تحت مسميات نفقات ( الإعلان – فض العروض – الوقود..الخ) إضافة إلى نسبة العمولة غير المستهان بها.
وأضاف إلى أن استيفاء القوانين لكافة شروط البيئة التي تعمل بها يحد بشكل كبير من الفساد، مشدداً على ضرورة الاعتماد على لجان مختصة وذوي خبرة بصياغة مشاريع القوانين، لا أن تكون حصراً على فئة ضيقة تتعلق بشخص يصدر قراراً لتشكيل لجنة تعمل لصالح جهة معينة وفي حدود ضيقة، مبيناً أن إحدى الدراسات الرسمية تؤكد أن نسبة الهدر في الدولة خلال إحدى السنوات وصلت إلى 30%، كما أن قيمة التهرب الضريبي وصل إلى 7 مليارات ليرة في إحدى السنوات..!
صعبة وليست مستحيلة
لاشك أن اضطلاع الحكومة الجديدة بملف الفساد ووضع استراتيجية وطنية لمكافحته ليس بالأمر السهل، خاصة أنه أصبح – للأسف – ثقافة يتغنى بها ليس المسؤول فحسب بل المواطن أيضاً، الذي لا يتوانى في غالب الأحيان عن تشجيع الفاسدين بهدف تسيير أعماله بالسرعة الكلية عبر ما يدفعه من تحت وفوق الطاولة، واضعاً نفسه في دائرة الشبهة، ليكون بذلك من أعوان الفساد الذين بحاجة إلى ثقافة مضادة لثقافتهم الفاسدة لاستئصال المرض الذي استشرى في جسم الدولة ومفاصلها، ما يجعل المهمة شبه مستحيلة إذا لم يترافق عملها مع نشر ثقافة مضادة للفساد عبر زرع الوطنية والمحافظة على المال العام في روح وسلوك المواطن، وهذا يحتاج إلى برنامج زمني طويل يتم من خلاله القضاء على المحسوبيات التي تحول دون تطور العمل الحكومي، والعمل بشكل دؤوب على بناء الخطط ووضع الاستراتيجيات على أسس واضحة وشفافة.
دمشق – حسن النابلسي