مصارف خاصة شريكة في تنشيط السوق السوداء زيادة الطلب على الدولار يفتعلها مضاربون لدفع “المركزي” إلى بيع جزء من احتياطيّه
استمرار بعض المواطنين بشراء الدولار أدّى إلى تراجع سعر صرف الليرة في الآونة الأخيرة وكان سبباً جوهرياً في ارتفاع أسعار الكثير من السلع، وبالتالي أدّى إلى انخفاض القيمة السوقية للأجور والرواتب الفعلية المتقاضاة سواء من القطاع العام أم الخاص.
سبب آخر أكثر مباشرة خفّض من سعر صرف الليرة، وهو عمليات المضاربة التي ما زالت تقوم بها المصارف أو عملاؤها، بغية تحقيق أرباح بواسطة سعر الصرف -حسب تصريحات متفرقة لمصادر مصرفية لـ”البعث”– وما يظهر أن المصرف المركزي كان على بينة تدخّله ببيع بضعة ملايين من احتياطياته النقدية لشركات الصرافة في كل جلسة يعقدها، والإيعاز إلى أوساط أعمال بمواجهة الطلب الكثيف على العملات الصعبة بعرض معاكس للدولار، وهي مقاربة أدّت إلى الحدّ نوعاً ما من عمليات المضاربة تلك.
أوساط خاصة
استطاع المصرف المركزي أن يعوّل ليس فقط على احتياطيه من العملات الصعبة لمواجهة المضاربة، بل على تعبئة في أوساط القطاع الخاص لصون سعر صرف العملة الوطنية.
غير أن الواقع يقول: إن زيادة الطلب قضية مدروسة يفتعلها المتعاملون في سوق القطع، ليرفعوا من سعر صرف الدولار وقد نجحوا في أحايين كثيرة في رفع السعر، والمطلوب كان دائماً خلف الكواليس، استدراج “المركزي” ودفعه إلى عرض جزء من احتياطيّه للبيع، وهذا يؤدّي إلى إعادة خفض سعر الدولار ولو إلى حين، إلا أن الغاية الأساسية جعل سعر الصرف في حالة تذبذب دون خضوعه لحالة استقرار فترة طويلة من الزمن.
وفي كل مرة كانت تسود فيها هذه الحالة، تؤدّي إلى إشعار تجار (الجملة والمفرق) بالحرج أمام زبائنهم مع تذبذب أسعار ما يعرضونه من بضائع في ظل التقلبات السريعة وغير الثابتة لسعر صرف العملة الوطنية (الليرة) أمام الدولار الأمريكي، الأمر الذي يقلقهم لتأثير هذا التذبذب في حركة التجارة في السوق المحلية.
الميزان التجاري
وبالمقابل، ترك انعكاسات سلبية بدت جلية في التجارة الخارجية، أبرزها زيادة العجز في الميزان التجاري سواء لجهة ارتفاع تكاليف الإنتاج أم الاستيراد، فضلاً عن ارتفاع أسعار السلع والخدمات في السوق المحلية، كما أسلفنا سابقاً.
ولا بد من الإشارة إلى المقاربة النقدية “النيوكلاسيكية” حيث تعيد تدهور سعر صرف العملة الوطنية إلى زيادة عجز الموازنة التي تؤدّي بدورها إلى زيادة الخلق النقدي، وإلى ارتفاع مماثل في المستوى العام للأسعار، يؤدّي في نهاية المطاف إلى انخفاض سعر صرف العملة الوطنية، أي تكون السلسلة: عجز الموازنة – خلق النقد – ارتفاع الأسعار – انخفاض سعر صرف العملة – حيث تكون مساوية لمعدّل التضخم المتحقّق – تبرّر ذلك بأن التفارق بين الأسعار المحلية والأسعار العالمية الذي يسبّبه التضخم المحلي، يجب أن يتم تعويضه، أي تعويض تراجع التنافسية للسلع الوطنية المعدّة للتبادل الدولي، من خلال خفض سعر صرف العملة الوطنية بنسبة مماثلة، يجعل هذا الخفض أسعار السلع الوطنية تتدنّى بالعملات الخارجية ويعيد لها قدرتها التنافسية.
تحصيل المداخيل
في الوقت ذاته، لا يمكننا إنكار وجود ندرة في عرض الدولار، ناجمة عن انخفاض قدرة الدولة على تحصيل مداخيلها بالعملات الصعبة، ومع طلب متزايد على الدولار واليورو، ضغط في اتجاه رفع سعرهما، دون أدنى شك؟!.
وينبغي عدم إغفال أن الحكومة السورية تقع عليها مسؤولية التحكيم بين الأطراف المتقابلة لجهة مصالحها وحصتها في الدخل الوطني، ومسؤولية تحصيل موارد إضافية تؤهّلها لإخراج البلاد من أزمتها الراهنة، كما أن تحكّمها الجيد في سعر الصرف خلال العامين الماضي والجاري وقدراتها القوية في صد المضاربات على العملة الوطنية، يجعلان “المركزي” الجهة التنفيذية للحكومة، في خانة المسؤول رقم واحد عن أي تغيّر في سعر الصرف، رغم أن المتغيرات الاقتصادية كالإنتاج والتصدير والتضخم جميعها عوامل بعيدة عن سياسات “المركزي”، تؤثر بشكل مباشر في مؤشر سعر الصرف.
سامر حلاس