نقطة ساخنة هل ستنجح..؟
يؤكد معظم منظري الاقتصاد وخاصة الرأسماليين منهم أن السوق تنظم نفسها بنفسها، وينادون دائماً بألا تتدخل الدولة في الأسواق وأن تُترك لها حرية السيرورة كيفما تشاء حتى تستقرّ على نهج معين يضمن لها الديمومة والاستمرار في تنشيط الحركة التجارية وتأمين الاحتياجات.
من المؤكد أن هؤلاء المنظرين لم يضعوا هذه النظرية من فراغ بل لهم حساباتهم التي من شأنها تنشيط الحركة التجارية وخاصة في أسواق المال، في بلدان تراعي مستوى الدخل بين مواطنيها، وتدرك تماماً كيفية تأمين احتياجات جميع شرائح المجتمع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، حيث يحصل كل مواطن على سلعه ومواده بسعر يتناسب مع دخله، عبر تخصيصها أسواقاً تناسب كل شريحة على حدة من ناحية السعر فقط بالتوازي مع الجودة والنوعية في كل سوق.
لكن على ما يبدو أن مسؤولي الاقتصاد لدينا يطبّقون هذه النظرية على أسواقنا من حيث يدرون أو لا يدرون، مع فارق بسيط هو ارتفاع الأسعار في جميع الأسواق بغض النظر عن الجودة والنوعية!، علماً أن هناك كيانات حكومية يفترض أنها تدحض بشدّة هذه النظرية الرأسمالية، لكنها كيانات مهمّتها –بالاسم فقط- مراقبة أسواقنا وكبح جماح تطرّفها والحفاظ على استقرارها وتوازنها، حيث نلاحظ أن حماية المستهلك بعيدة عمّن تحميه، بل تتّهمه أحياناً بأنه المسبّب لتجاوزات التجّار وافتعال الأزمات، وكذلك تنأى مديرية الأسعار بنفسها عن متابعة أسعار السلع بحجة أن 90% منها محرّرة.
كما لا تفتقد الحجج الواهية لتبرير ارتفاع غير المحرّر منها لارتباطه بالأسعار العالمية، أما هيئة المنافسة ومنع الاحتكار فلم تتدخل حتى الآن بقمع احتكارات باتت تقضّ مضاجع السوريين ليس بشكل يومي فحسب بل ساعيّ أيضاً، فشركات النقل الداخلي الخاصة –على سبيل المثال- تسرح وتمرح على خطوط (طُوّبت) لها بشكل رسمي دون منافس، وشركتا الخلوي تبسطان سيطرتهما على سوق الاتصالات وتتحكمان بالثواني وجزئياتها دون منافس، ناهيك عن احتكارات مادة المازوت حديث الساعة هذه الأيام لدى جميع السوريين!.
ما سبق يثير كثيراً من الشكوك وحتى التهم بحق معظم مفاصل أجهزتنا الرقابية، التي لم نلحظ لها أي دور على أرض الواقع، فإما أنها متواطئة مع المتجاوزين، أو أنها غير مؤهّلة بالفعل للقيام بالدور المنوط بها!.
وقبل أن نضمّ صوتنا إلى أصوات المنادين بحلها جملةً وتفصيلاً، على اعتبار أن وجودها وعدمه سيان، بغية التوفير على الخزينة العامة للدولة أثمان أساطيل السيارات المسخّرة لها، وأجور كوادر يفترض أنها تسهر على حماية المستهلك، سنعلّل أنفسنا بأمل أن تضع الحكومة الجديدة بعد أن أدت القسم تأمين الاحتياجات الأساسية للمواطن نصب عينها، وأن تُفعِّل المفاصل الرقابية المسؤولة عن انسياب السلع والخدمات ومحاسبة المتجاوزين والمتورّطين بعرقلة إيصالها إلى المستحق الفعلي وبالسعر الرسمي، وقادمات الأيام كفيلة بالحكم على مدى نجاح الحكومة بذلك.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com