نقطة ساخنة فقاعة ذهبية
يرتفع وبوتيرة متسارعة للغاية حجم الطلب على المعدن الأصفر في الأسواق المحلية..
خبر يبدو للوهلة الأولى إيجابياً على الاقتصاد الوطني، والإشادة بجهود جمعية الصاغة في هذا المجال يدفعها إلى ابتكار منتجات جديدة، كالليرة الذهبية ومؤخراً الأونصة الذهبية السورية، ولا يكاد يمر يوم إلا ونسمع نبأً حول آخر المستجدات على الساحة “الذهبية”!!.
وهناك أمثال شعبية عديدة مفادها: “كل شي زاد عن حدو انقلب ضدو” وأيضاً “الزائد أخو.. الناقص”، لأن تشجيع الادخار من خلال المعادن لمرحلة متقدمة تصل إلى درجة الاكتناز لفترات زمنية طويلة، يؤدي إلى حرمان الأسواق من السيولة النقدية “الكاش” الذي يساهم في تراجع الطلب على المواد.. هذا أولاً، أما ثانياً.. فيخفض من كتلة الإيداعات بالمصارف وبالتالي من حجم الكتلة النقدية المعروضة للتسليف، وثالثاً.. يزيد من معروض العملة الوطنية “الليرة” في السوق نتيجة تبديلها بالمعدن الثمين، ما يساهم أيضاً في خفض قيمة الليرة السوقية، خاصة إذا تزامن ذلك مع تراجع في الطلب عليها قياساً بالعملات الأجنبية الأخرى.
دون أدنى شك، تذبذب سعر صرف الليرة أمام الدولار واليورو، كان سبباً جوهرياً في توجيه أنظار المواطن “مجبراً لا بطلاً” إلى تملك المعدن الأكثر أماناً “الذهب”، رغم علو كعب الغرام المحلي المحلق بتسعيرته مقارنة مع دول الجوار.
كما أن الحكومة شاركت في إطلاق العنان لإبداعات الصاغة “الكبار” المقربين من رؤوس هرم الجمعيات الحرفية، وابتكارهم لليرات وأونصات ذهبية.. والله أعلم ماذا يخبئون لنا من “جهبذات” براقة تطيح بما تبقى من سيولة نقدية متداولة في الأسواق؟!.
نتائج أفرزت معتقدات شبه راسخة لدى عامة الناس، فحواها: أن “الذهب” أكثر استقراراً وأماناً من العملات، ما شجّع الناس على شرائه، وخاصة الليرات والأونصات الذهبية الأقل خسارة من المشغولات الأخرى، التي تخسر أجرة تصنيعها عند البيع، ويشكل فارقاً كبيراً بين سعر الشراء وسعر المبيع، وميزة أخرى تضاف لرصيد هذه الثروة التي باتت غير مستحبة اقتصادياً –إن صح التعبير- هي أن سعر الذهب لا تنخفض قيمته، ذلك لأن العرض غير متوفر دائماً في حين أن الحاجة والطلب مستمران.
بالمحصلة “اكتناز” الذهب لمدد طويلة الأجل يبطئ من حركة الدورة الاقتصادية، بسبب المبالغة المفرطة في الادخار لدرجة تصل إلى اضطرار المكتنز لمرحلة التقطير حتى في شراء احتياجاته الأساسية، وكان لذلك دور بارز في تدني الطلب على المنتجات المحلية إلى أدنى مستوى له منذ عقود.
الدعاية، والتسويق، والفقاعات الإعلامية، دفعت الكثيرين إلى الإقبال على شراء الليرات أو الأونصات الذهبية -وهم راضون- وبيع كامل مدخرات العائلات السورية المتوسطة -تحديداً- من خزان العمر الذهبي..
في نهاية المطاف.. أدت جميع تلك العمليات إلى انتقال الثروة الحقيقية خلال الأزمة من فئات إلى فئات أخرى.. من الذين دفعوا ثمن تدهور قيمة العملة والتضخم، إلى الذين قبضوه؟!!.
سامر حلاس
Samer_hl@yahoo.com