ثقافة

“إنقاذ السيد بانكس” في دار الأوبرا كشف خطوط العقد النفسية لصاحبة رواية “ماري بوبينز”

بريق الأمل الذي نوجده بخيالنا يمكن أن يسعد كثيرين، هذه رسالة الفيلم التي صرح بها البطل المنتج الشهير والت ديزني الذي جسد دوره توم هانكس في أحد المشاهد التي غيّرت مسار حياة الكاتبة الروائية بي إل ترافينز (باميلا) صاحبة رواية “ماري بوبينز” وجعلتها توافق على تغيير نهاية الفيلم الاستعراضي التمثيلي المأخوذ عن روايتها ليعيش السيد بانكس المستوحى من شخصية والدها بدلاً من موته بمرض السل الحدث المؤلم في حياتها، كما يعكس فكرة التعلق بالحلم الذي يسكننا ونعمل على تحقيقه طيلة حياتنا من خلال شخصية المنتج الشهير والت ديزني الذي بقي يلاحق باميلا قرابة عشرين عاماً لتوافق على منحه حق تحويل روايتها إلى فيلم جماهيري وتحقيق حلمه الخاص.
جاء الفيلم بتوقيع جون لي هانكون وسيناريو كيلي مارسيل، ويتناول السيرة الذاتية للكاتبة الروائية ترافيرز ،فيمضي عبْر ومضات خاطفة بزمنين متوازيين مابين حاضر باميلا في ستينيات القرن الماضي وسنوات طفولتها الحزينة في أستراليا في بدايته ،وبمشاركة ثلاثة أمكنة في بريطانيا موطن الكاتبة وإقامتها في لوس أنجلس أثناء العمل في الفيلم وطفولتها في أماكن نائية في أستراليا .اتخذ الفيلم البعد النفسي من خلال تصاعد الأحداث الدرامية لكشف خطوط العقد النفسية التي اكتسبتها باميلا من طفولتها والتي كانت وراء شخصيتها العصابية وسلوكياتها الغاضبة وامتعاضها الدائم ،فأوضح المخرج تعلقها الشديد بوالدها الحنون الذي ارتبطت معه بعلاقة روحية لازمتها ليتكرر مشهد امتطائها الحصان معه وسط حقول الذرة الصفراء المتماوجة مع شعرها الأشقر وملامح وجهها البريئة ،وتعمد أيضاً أن يقحم الكاميرا إلى داخل الكوخ الصغير ليصوّره وهو ملقى على الفراش يلهث من السعال الممتزج بالدم إثر إصابته بمرض السل، فتعود صور متعددة لإدمانه على الكحول ومن ثم فصله من عمله كمدير بنك ،ونتوقف عند الحدث الهام الذي أثر في تكوين بنيتها الإنسانية حينما أقدمت أمها على الانتحار متخلية عن كل شيء في مشهد مثير وسط عتمة الليل وانعكاس ضوء القمر على البحيرة التي مضت إليها والدتها وتمكنت باميلا الطفلة من إنقاذها وعودتها إلى الحياة معهم ،وتتفاقم عقدتها بالذنب تجاه والدها في المشهد الذي يموت فيه والدها لحظة وصولها من السوق وتدحرج قطع الأجاص التي طلب منها إحضارها.
وفي منحى آخر نجح الفيلم في تصوير المراحل المتتابعة لصناعة فيلم من خلال المفاوضات التي تمت مابين باميلا وكاتب السيناريو واعتراضها على المشاهد والأغاني والموسيقا ،ولكن الخلاف الأكبر كان حول إقحام المنتج فكرة إدخال بعض الرسوم المتحركة إلى جانب الممثلين الحقيقيين ،بدا هذا واضحاً في أحد المشاهد الأخيرة حينما حضرت باميلا حفل العرض الأول للفيلم في لوس أنجلس وبكت بشدة لمشاهدتها أحد مشاهد الرسوم المتحركة لتمسكها الشديد بفكرة إنجاز فيلم تمثيلي أكثر من أن يكون استعراضياً.
في الفيلم نقرأ أبعاداً إنسانية متعددة منها مايطال حياة المرأة الوحيدة في خريف العمر بعيداً عن الشهرة ككاتبة وعن الأضواء المصطنعة في لحظات مكاشفة للذات وفي ومضات إخراجية ساحرة يشرك فيها الطبيعة ،وفي التوافق الإنساني والإحساس بالآخر حينما تتضح في المشاهد الأخيرة المأساة التي يعيشها السائق الخاص لباميلا الذي عينه المنتج لخدمتها في لوس أنجلس واختلافهما حول مقولة “المطر الذي يمنحنا الحياة” كما قالت باميلا ورفضها مقولة السائق “الشمس تمنحنا الحياة”،حينما اعترف لها بأن ابنته مقعدة جليسة الكرسي المتحرك ويحب الشمس لأنها تخرج إلى الحديقة وتشعر بحرارة الحياة ،فأهدته فيما بعد حينما ودعها كتاباً يتناول حياة المبدعين في العالم الذين تعايشوا مع إعاقتهم.     ويأتي نجاح الفيلم الذي رُشح لعدة جوائز للأوسكار منها جائزة أحسن ممثلة وجائزة للموسيقا التصويرية من دمجه عدة خطوط إنسانية واجتماعية ونفسية في بوتقة الحياة الدائرة بإحكام مطلق لتبقى الحقيقة التي تفسر كل غموض.
عُرض هذا الفيلم ضمن عروض أفلام حديثة جداً الجزء الثاني في دار الأوبرا وهو إنتاج 2013 وانتهى بعرض صور وثائقية لتعامل الكاتبة مع المنتج الشهير.
ملده شويكاني