اقتصاد

تعددت الأسباب والتهرب من الإجابة على أسئلتنا ضريبة جديدة تقديرات التهرب الضريبي غير الرسمية تضع “المالية” على محك الإفصاح وحشد الجهود للحد منه

لايزال التهرّب الضريبي هاجساً يتملك الإدارات الضريبية التي لم تجرؤ حتى الآن على الإفصاح -ولو بشكل تقريبي- عن حجمه الذي تجاوز وفق تقديرات بعض الباحثين رقم الـ 200 مليار ليرة سورية خلال إحدى السنوات التي سبقت الأزمة، ولعلّ سبب عدم الإفصاح هذا يعود إما لخشية الوقوع في مطب المساءلة القانونية على اعتبار أن معظم موظفي الضرائب متورطون في هذا الشأن، أو لأنها بالفعل غير قادرة على الإحاطة به كون الرقم –بالأصل- كبيراً، ما قد يوحي بأنه قد يكون أكبر مماسبق ذكره.

تهرب من الإجابة!
وكمحاولة من وزارة المالية للحدّ من هذه الظاهرة، لجأت إلى إنشاء قسم مخصص لكبار المكلفين يستهدف كبار مكلفي دمشق وريفها، عسى أن يستقطب الشريحة الدسمة من دافعي الضرائب، معزز بخدمات وصفها البعض بـ(الخمس نجوم)، علّها تغري الـ”VIP” من المكلفين، وبالتالي يقبلون على دفع ما تستحقه الخزينة من أرباح أموالهم، وقبل أن تتضح نتائج هذه الخطوة بشكل جليّ أقدمت المالية على إحداث قسم متوسطي المكلفين في ماليتي دمشق وريفها، على أن يتمّ العمل على تجهيز قسم آخر في مالية حلب، ليبقى السؤال العريض والأهم: ماذا فعلت وزارة المالية لمكافحة التهرب الضريبي على أرض الواقع وإلى أي حدّ نجحت في ذلك؟!.
سؤال حاولنا جاهدين الحصول على إجابة واضحة عليه من عدة مفاصل في وزارة المالية والهيئة العامة للضرائب والرسوم، لكننا لم نفلح بسبب تهرب المعنيين من الإجابة، تحت حجج وذرائع إما يكتنفها الروتين والبيروقراطية أحياناً من قبيل ضرورة مراجعة المكتب الصحفي ووضعه في صورة الموضوع بناءً على تعليمات الوزير، أو يكتنفها الإحراج لعدم وضوح الرؤية والهدف وتلاشي الخطوات العملية في هذا المجال لاسيما في ظل تداعيات الأزمة أحياناً أخرى.

خفض ورفع..!
يبقى التهرب الضريبي فارضاً نفسه على الساحة المالية كأكبر تحدّ تواجهه وزارة المال، لأسباب بعضها يتعلق بغياب الثقافة الضريبية الحقة، والثقة المتبادلة بين المكلف والدوائر الضريبية، وعدم لمس المكلفين انعكاس ما يدفعونه من ضرائب، وأخرى لها علاقة بغياب العدالة الضريبية، وقصور التشريع الضريبي بين المكلفين بدليل تفاوت المعدلات الضريبية المفروضة على الرواتب والأجور من جهة، وتلك المفروضة على الأرباح الحقيقية للقطاع الخاص من جهة أخرى، خاصة وأن المشرّع خفّض معدل ضريبة الأرباح لتصبح أعلى شريحة ضريبية للأرباح 28٪ بعد أن كانت 66% في حين رفع معدل الضريبة على الرواتب والأجور لتصبح أعلى شريحة لضريبة الرواتب والأجور 22% بعد أن كانت 15%.

ليست نكتة..!!
وللطرفة نختم بقصة واقعية مفادها باختصار أن أحد كبار مديري الضرائب تحدث على هامش احتفالية افتتاح مبنى الهيئة العامة للضرائب والرسوم عن أهمية الضرائب وانعكاسها على المجتمع وتحسين الخدمات العامة، وضرورة نشر الوعي الضريبي لدى المكلفين حتى يتسنى لنا الارتقاء ببلادنا خدمياً وحضارياً..الخ.
وعندما سُئل عن أقنية صرف ما تتم جبايته من الضرائب قال -مستفيضاً بالشرح-: بالطبع يتم صرفها على الصحة والتعليم وتحسين البنية التحتية..الخ، لكنه صُعق عندما قاطعناه بالقول: لن نتحدث عن البنية التحتية بكل تفاصيلها، لكننا سنسوق لك مثالاً يبرهن على عدم تصريف الضرائب كما يجب، بدليل أن جميع سائقي القطر يشتكون من تدهور مستوى الطرقات لدينا، علماً أنهم يدفعون –خاصة أصحاب السيارات العامة- ضرائب ورسوماً ليست بالقليلة، ومع ذلك فإن طرقاتنا لا تزال بعيدة كل البعد عن المقاييس والمعايير الدولية والعالمية، فأين إذاً انعكاس ما يدفعونه على الخدمات المقدمة له؟
فأجاب المدير: عندما يكون لدينا سائقون عالميون نعطيهم عندئذ خدمة عالمية؟!.

دمشق- حسن النابلسي