غياب التسويق والسعر العادل يدفع منتجي السلع الزراعية والحيوانية للتلويح بالتوقف عن الإنتاج استحواذ التجار على الأرباح يدعونا إلى التساؤل عن استثمار أموال اتحادي الفلاحين والغرف ونقابة المهندسين؟
فاجأني أحد المزارعين في منطقة الغاب قبل أيام عندما كنا في رحلة عمل صحفية إلى هناك حين قال: لقد خسرت هذا العام مئات الآلاف وربح التجار الملايين، فطلبنا منه الإيضاح أكثر فأجاب: لقد بعت كيلو البندورة من 30-40 ليرة بالجملة في حين باعه التاجر بـ100 ليرة، متسائلاً ألا يشكل هذا خسارة موجعة بالنسبة لي ولمزارعي البندورة هنا في منطقة الغاب؟.
هذه الواقعة ليست وحدها من بين الوقائع المؤلمة التي تلحق بالمنتجين، فمثلها محاصيل البطاطا والخيار والفاصولياء والبامياء فضلاً عن العديد من الفواكه الأخرى، فجميع مزارعي هذه المحاصيل يخسرون في حين يربح الباعة الآخرون، بدءاً من سوق الهال وانتهاء ببائع المفرق، والمكتوي الوحيد بنار الأسعار هو المستهلك؛ مزارعنا أبو أحمد أقسم بالثلاثة بأنه لن يعيدها ثانية أي لن يزرع البندورة العام القادم.
أين دور المنظمات الشعبية
ما زالت مسألة تسويق المنتج الزراعي هي الحلقة المفقودة في الشأن الزراعي الإنتاجي، وكذلك تدخل القطاعات والفعاليات الشعبية والأهلية الخاصة كنقابة المهندسين الزراعيين واتحاد الفلاحين واتحاد الغرف الزراعية ليمارسوا دور المتفرج ويشكلوا عبئاً على عبء، فإذا دققنا في تفاصيل عمل هذه المنظمات، نرى غياباً كاملاً لدورها فلا هي مؤثرة ولا هي متأثرة ولا هي فاعله ولا متفاعلة في الشأن الزراعي باستثناء التصريحات التي تجود بها بين الحين والآخر، فقط يتقاضون رواتبهم وحوافزهم طبعاً هذا حقهم.
في هذا السياق سأل مصدر مطلع في شأن الثروة الحيوانية طلب عدم ذكر اسمه خشية مساءلته من وزارة الزراعة لأنها “شاطرة” بذلك كثيراً فقال: لماذا كيلو الحليب في منطقة الغاب من 50- 55 ليرة وفي بقية مناطق المحافظة بـ100 ليرة ولا تجده؟.
صحيح أن العرض والطلب يلعب دوراً مهماً في ذلك، لكن الأهم في القضية أنه لو كان لدى اتحاد الفلاحين مثلاً برادات لتخزين المواد الزراعية والحيوانية وقام بتسويق هذا المنتج لاختلف الوضع تماماً لجهة المنتج وهو المربّي وكذلك المستهلك الشاري.
المصدر أوضح أن باعة الحليب يقومون بشرائه من المربين ويجمعونه في براميل بلاستيكية تفتقر إلى أدنى شروط النقل، ليقوموا فيما بعد ببيعه بسعر يصل إلى 100 ليرة، ويصل ربحهم في الكيلو الواحد إلى 50 ليرة، وهذا يعني بلغة التجارة والاقتصاد خسارة للمُنتج.. إن لم نقل سرقة موصوفة.
غياب لاتحاد الغرف الزراعية
لو طرحنا السؤال الجوهري التالي: أين دور اتحاد الغرف الزراعية من تسويق المنتجات الزراعية وكذلك نقابة المهندسين الزراعيين، ولاسيما أن لديهما كادراً بشرياً كبيراً متعطلاً إن لم نقل متفرغاً لقضايا لا تمتّ إلى الشأن الزراعي بصلة وهذا ما نشهده يومياً، وفوق هذا يملكان إمكانيات مادية كبيرة تمكّنهما من التدخل وشراء المنتج الزراعي والحيواني من المزارعين بعد دراسة التكلفة ومن ثم وضع هذا الإنتاج في البرادات والخزن وطرحه في الأسواق وفق ما تقتضيه الحاجة، أي إحداث توازن العرض والطلب حيث الأرباح المطلوبة محققة وبجدوى مغرية، فضلاً عن أن التجار حين يلاحظون أن هناك من دخل على الخط منافساً لابد لهم من إعادة النظر بأسعارهم، إذ لا يستطيعون البيع بأعلى من تسعيرة اتحاد الغرف الزراعية أو نقابة المهندسين أو أي شركة تسويقية أخرى لو تم إحداثها.
واتحاد الفلاحين كذلك
في لقاء مع عدد من المزارعين قال أبو فراس بأسى وصراحة: يا أخي يخسر اتحاد الفلاحين مليوناً مليونين ولا يخسر المزارعون مئات الملايين، وبالتالي عدم عودتنا في السنة التالية إلى زراعة هذا المحصول أو ذاك ما يؤدّي إلى قلته وندرته في أسواقنا المحلية كما حدث للبطاطا والبصل هذا العام، حيث يباع الكيلو ما بين 30-40 ليرة بالجملة للأول، بعدما وصل السعر في زمن القلة إلى 125 ليرة والبصل بـ 25 ليرة هذه الأيام.
والجميل في الحوار مع المنتجين أن الكل يتحدث في وقت واحد وعليك أن تلتقط ما تريد، فبعضهم قال: نفتقر إلى حسن الإدارة والتنظيم في الزراعة، مشيراً إلى أنه لو كان لدينا تسويق للحليب لما بعناه بـ55 ليرة وكذلك البندورة والبطاطا، فالمنتج خسر هذا العام الكثير والتجار على مختلف مشاربهم ربحوا الكثير، وطالب عدد من المزارعين بأن يكون لدينا تسويق يضمن حقوق المنتجين ويحقق لهم الأرباح للحفاظ على الزراعة، كما تساءلوا لماذا لا توجد لدينا شركات تسويقية متخصصة وما الذي يمنع؟!.
إذا صدقت النيات
أوضح اتحاد الغرف الزراعية كما أكد مصدر مطلع ومعنيّ في الشأن الحيواني، أن العمل جارٍ على فتح سوق للمحاصيل العطرية والطبية مثل اليانسون والكمون وحبة البركة والكزبرة حيث يتم شراؤها من المنتجين مباشرة، هذا إذا صدقت النيات، لأن التجارب علّمتنا أن مثل هذه التدابير والأحاديث هي مجرد شراء للوقت.
أسئلة محرجة
خلاصة الحديث يتساءل الفلاح ونحن مثله: لماذا يكون لدى اتحاد الفلاحين محطات للمحروقات للاستثمار وهي مربحة 100%، ولا يكون لديها برادات للخزن وتسويق المنتجات الزراعية، علماً أن هذا من صلب مسؤوليته وميدانه الذي من المفترض ألاّ يسبقه إليه أحد.. أليس ذلك أفضل من وضع أمواله ودائع في المصارف، في حين أن تشغيلها يعود عليه بأكثر مما يأخذه من فوائد وخاصة في هذه الظروف.. نسأل أيضاً؟! لكن على ما يبدو أنه وكغيره من منظمات لا يريد أن يتعب نفسه في قضية هو في غنى عنها !.
ومن نافل القول هنا أن نذكر بالدور الذي كانت تقوم به في الثمانينيات الشركة العامة للخضار والفواكه، حين كانت تستجر وتتسوّق محاصيل التفاح والبطاطا والبصل من المنتجين وتقوم بتخزينها لطرحها من ثم في الأسواق عند الحاجة، فارضة على التجار أن يحذوا حذوها بالنسبة للأسعار وكانت بذلك تحمي الإنتاج والمنتجين معاً.
إن أهم ما يفتقر إليه الشأن الزراعي هو الحلقة التسويقية من المنتجين، الأمر الذي يجعلهم دائماً عرضة للخسائر المتلاحقة وتحت رحمة ونير التجار؛ والحل الأمثل هو بإحداث شركات تسويقية، أما إذا بقينا على هذه الحال فهذا يعني المزيد من الخسائر للمنتجين.
حماة – محمد فرحة