المعتدلون.. والمتطرفون: وجهان لعملة واحدة
اهتمّت وسائل الإعلام العربية والدولية بتصريح الرئيس الأسد أمس أثناء استقبال سيادته مستشار الأمن الوطني العراقي، ولاسيّما تأكيده أنَّ «مكافحة الإرهاب تبدأ بالضغط على الدول التي تدعم الجماعات الإرهابية، وتدّعي في الوقت نفسه محاربة الإرهاب»، ويأتي هذا الاهتمام في سياق إدراك حقيقي لكثير من الشعوب والحكومات في العالم أنَّ سورية اليوم تمتلك رؤية استراتيجية واضحة ومحدّدة وناجعة في القضاء على الإرهاب أولاً، والانتقال الى الأمن والاستقرار والتكامل الإقليمي والدولي ثانياً، بحيث لايمكن أبداً القفز فوق الرؤية السورية إن شئت، أو«العقبة السورية» إن شئت أيضاً.
وهذا واضح بعد المسار المتعثّر والمستمر للأطلسي والرجعية العربية وتركيا في التحضير الأخير لقيام تحالف استعراضي مأجور مدفوع مسبقاً لمكافحة الإرهاب بدءاً من الاجتماعين الأخيرين في جدة وباريس، تحالف مفتوح للمزايدة أمام «الراغبين» في الاشتراك بشروط تشبه إجراءات «المقاولة»، ومن بينها استـئجار شركات قادرة على تجنيد عناصر ومستشارين أمنيين بإيعاز أمريكي إلى السعودية، وهنا سيأتي دور «المعتدلين السوريين»، مقترناً بالتركيز الشيطاني على المتاجرة «بالبعد المذهبي»، متاجرةً مريرة الصدى في الواقع، وعلى المستقبل العربي والإسلامي.
والآن يدرك المسلمون المستنيرون، والقوميون العرب، وأحرارُ العالم أجمع بأنَّه لايمكن أبداً مكافحة الإرهاب بهذا التركيز الشيطاني على البعد المذهبي الذي صار واضحاً أنَّه امتداد لمشروعي الشرق الأوسط الجديد، والفوضى الخلّاقة، وربطهما بذريعة مكافحة الإرهاب.. بما سيؤدي إلى نتائج وخيمة من أبرزها تكوين جيوش متحاربة من أبناء الدولة الواحدة، بحيث يحارب الأشقاء بعضهم بعضاً في السعودية أو العراق أو سورية أو لبنان… احتراباً تبقى فيه الدماء والجروح بلا ضفاف في المكان والزمان.
وبعد هذا من ذا الذي سيكون قادراً على ضبط الفوارق بين الإعتدال والتطرف ؟ حين تختلط الأوراق في زمن تأكّد فيه رعاية أمريكا والسعودية وقطر وتركيا للتطرف الإسلامي، زمن تنقلب فيه هذه الرعاية فجأة إلى مقاتلة، زمن شجّع على أن تصبح إيديولوجيا التطرف مصدرَ إلهام قطاعات واسعة من الشباب الإسلامي في العالم، ماساعد على ولادة حركة جهاد عالمية بدأ ينخرط فيها ويتورط شباب الغرب المأزوم أيضاً، ثم تعمل اليوم قوى البترودولار على جر «المعتدلين؟!» من اليمين واليسار إلى التطرف.. ماسيزيد بالتأكيد من حدوث «مصادفات مفاجئة» لا يمكن ضبط تداعياتها لأنها ستربك بالتأكيد الخطط المتعثّرة أصلاً للمركزية الغربية وذيلها الرجعي العربي في المنطقة.
لذلك صار اليوم واضحاً أنَّه من المستحيل تكوين تحالف وفق الرؤية الأمريكية لمكافحة الإرهاب، بسبب رسوخ التعارض والخلاف بين أركانه: السعودية ومصر من جهة، مع قطر وتركيا من جهة ثانية، فرنسا مع أمريكا من جهة أخرى.. وهكذا، في الوقت الذي تأكد فيه الغربيون وغيرهم أنَّه من الحماقة التفكير في الرهان على أن تكون السعودية شريكاً في مكافحة التطرف وهي تقدم باستمرار الدعم المالي والإيديولوجي «للجهاديين»، فما سرّ هذا الانقلاب؟!
ولا يختلف النظر إلى ازدواجية الموقف السعودي عن النظر إلى إشكالية الموقف الأمريكي وازدواجيته. فقبل أسبوعين اعترف أوباما في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض أنَّ بلاده لا تمتلك حتى الآن استراتيجية واضحة لمواجهة تنظيم الدولة، وكان قد أكد قبل أشهر «أنَّ الرهان على معارضة معتدلة في سورية هو نوع من الفانتازيا». إنها مهزلة أمريكية سعودية جديدة في استيلاد 5000 “معتدل” لدعم التطرف والإرهاب.
إذن.. هذا يأتي في سياق انسداد الآفاق أمام المعارضة المتطرفة والمعتدلة للدولة الوطنية العربية السورية بدورها وثوابتها، تلك المعارضة التي يجب عليها أولاً أن تلقي السلاح، ولا تراهن – حصرياً – أبداً على إسرائيل والسعودية وأمريكا وقطر وتركيا، ففي الأرض منتأى واسع للحر عن الأذى..، وإلاّ فالتطرف والاعتدال حقيقة وجهان لعملة واحدة. فأين الخطر الصهيوني مثلاً من مشروعيهما، إنه رديف يخطب ودّه المعتدل والمتطرف على السواء.
والحقيقة: أنَّ واقع المنطقة، والمناخ الدولي مغلقان أمام تجاوز الدور الوطني العروبي السوري، ليس في هذه الأزمة فحسب، فصمود سورية اختبار تاريخي للدولة الوطنية العربية، هذا الصمود رهان التاريخ والجغرافيا لن ينكسر.. هكذا يرى ويعمل الأحرار والشرفاء في المنطقة والعالم، فهذا الجبل الراسخ بقيمه الكبرى يستحق التضحية والصبر.
د. عبد اللطيف عمران