إيران تجدد دعمها لسورية في مواجهة التنظيمات الإرهابية حتى القضاء عليها نهائياً موسكو: فشل سياسة الولايات المتحدة أدى إلى تزايد الإرهاب في المنطقة
إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن استراتيجيته لمحاربة تنظيم “داعش” الإرهابي، وإعطائه الأوامر لخدمه وعملائه بالمسارعة، عبر مؤتمري جدة وباريس، إلى استصدار الصكوك الشرعية، التي تعطيه الحق في التدخل العاجل، بذريعة تخليص المنطقة من سموم الأفاعي، التي رباها وخرجت من رحم فوضاه الخلاقة، وتعهّد أنظمة دول البترودولار بفتح خزائن أموال شعوبها وصناديقها السيادية لتمويل الضربات، التي يشنها الطيران الحربي الغربي، جاء بانتظار القرار الأممي الملزم في الجلسة المرتقبة لمجلس الأمن في الرابع والعشرين من الشهر الجاري.
المواقف المتباينة حول استراتيجية أوباما، والتي تسعى لوضع المنطقة بين كماشتي الاستنزاف والابتزاز لسنوات غير محددة، وطبيعة وحجم ونوع المشاركة فيها، سواء من قبل الجالسين على مقاعدها الوظيفية، أو الرافضين لها، تكشف أهدافاً خطيرة ومدمرة للمنطقة، ولعل أبرزها: المباشرة الفعلية بتنفيذ “مشروع الشرق الأوسط الكبير”، وإعادة رسم خريطة المنطقة، وفق الثروات، بما يؤمّن استمرار المصالح الغربية، وضمان بقاء كيان الاحتلال الصهيوني وتنصيبه شرطياً عليها.
وكان رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي أعلن أنه سيطلب من الرئيس توسيع صلاحيات الخبراء العسكريين الأمريكيين في العراق، وفق مقتضى الأمور، وأن هؤلاء قد يشاركون في العمليات البرية، رغم النفي القاطع لواشنطن خلال الفترة السابقة عن أي نية لإشراك قوات برية تابعة لها في القتال، ما يدلّ على تبدل نوايا واشنطن وعدم صدق ادعاءاتها.
وتعمل الولايات المتحدة الأمريكية على تشكيل تحالف واسع تحت مسمى محاربة تنظيم داعش الإرهابي، لكنها تتعامل مع الإرهاب بصورة انتقائية، فتحاربه في مكان وتحالفه في مكان آخر، كما أنها تحاول إقصاء أطراف مؤثرة وفاعلة في محاربة الإرهاب عن هذا التحالف، مثل سورية وإيران وروسيا والصين، ما يدل على عدم صدق نواياها، وأنها تعمل على تحقيق أجندة خاصة بها، وتستغل شعار محاربة الإرهاب لتحقيقها.
بالأمس، قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي: إن على المجتمع الدولي ردع تنظيم “دولة العراق والشام” الإرهابي في سورية، وليس فقط في العراق، وأضاف: إن غياب إيران عن مؤتمر باريس أمر محير، وأكد أن وجود قوات برية لمحاربة داعش أمر غير مطلوب وليس ضرورياً.
وفي طهران، شدد الرئيس الإيراني حسن روحاني على أن الإرهاب يشكل تهديداً خطيراً لجميع دول المنطقة والعالم، معتبراً أن هذا التهديد يمثل وباء خطيراً قابعاً وراء حدود كل الدول، وفي حال لم تتحد جميع دول المنطقة لمواجهته فإن هذه الظاهرة المشؤومة ستصيب الجميع، وقال خلال استقباله، أمس، شاهين مصطفى أف وزير الاقتصاد والصناعة الأذربيجاني، الذي يترأس وفد بلاده في لجنة التعاون الاقتصادي المشترك بين البلدين:إن منطقة الشرق الأوسط تواجه العديد من المشاكل الأمنية، ولاسيما في سورية والعراق، ودعا المسلمين إلى الاضطلاع بمسؤولياتهم تجاه حقوق أشقائهم في المنطقة، ومساعدتهم في الأزمات التي يمرون بها.
وكانت المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم دعت إلى ضرورة تعاون جميع دول العالم ومساعدة سورية والعراق في تصديهما للإرهاب بعيداً عن أي تدخل عسكري وسياسي في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بذريعة مكافحة الإرهاب، مؤكدة أن الأهداف المعلنة للتحالف الدولي ضد تنظيم داعش الإرهابي تتعارض مع الإجراءات السابقة والحالية لمؤسسيه الأصليين.
وانتقدت طبيعة التحالف، الذي شكل بقيادة أميركا لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، مؤكدة أنه يثير الكثير من الشكوك القانونية، كما أنّ تشكيله تمّ خارج معايير الأمم المتحدة، في حين أن ماضي وتاريخ عدد من الدول المشاركة فيه يشير إلى لجوئها للإرهاب واستخدامه كأداة لتمرير أهدافها وتعاطيها المزدوج مع هذه الظاهرة.
ويأتي حديث أفخم في وقت بحث فيه وزير الخارجية والمغتربين اللبناني جبران باسيل مع السفير الإيراني في لبنان محمد فتحلي موضوع الحرب على الإرهاب وأهمية مشاركة إيران فيها، وقال فتحلي بعد اللقاء: نعتقد أن موضوع التحالف تأخر كثيراً في التنبه لما يجري في المنطقة، ونعتبر أن الخطوة الأولى التي ينبغي القيام بها، إذا وجدت إرادة حقيقية للقضاء على التطرف والإرهاب في هذه المنطقة، تقضي بالمبادرة إلى وقف كل أشكال الدعم المالي والعسكري والأمني واللوجستي لكل هذه التنظيمات.
وأكد رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي أن هدف الإدارة الأمريكية من تشكيل الائتلاف هو الحفاظ على هذا التنظيم الإرهابي وليس القضاء عليه، وقال رداً على طلب أمريكا من إيران المشاركة في الائتلاف الدولي لمحاربة “داعش”: إن إيران لا تثق بمقترحات أمريكا، لأن تنظيم “داعش” الإرهابي هو صنيعة أمريكا، وأن هدفها ليس القضاء عليه، بل تعمل في مسار الحفاظ عليه.
من جهته أكد أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني أن بلاده رفضت دعوة مباشرة حملها وزير خارجية الدنمارك مارتين ليدغارد لطهران خلال زيارته الأخيرة لها للمشاركة في الائتلاف، الذي شكلته بعض الدول الغربية والعربية، بسبب التناقضات داخل هذا التحالف، وخدمته للكيان الصهيوني، وقال: هذا التشكيل لا يسعى لإرساء الاستقرار الإقليمي، وإقرار أمن الشعوب المضطهدة في هذه المنطقة، وجدد التأكيد على استمرار دعم إيران لسورية والعراق في مواجهة التنظيمات الإرهابية حتى يتمّ القضاء عليها نهائياً.
وشكك المسؤول الإيراني بفاعلية هذا التحالف لمكافحة الإرهاب، نظراً لوجود التناقضات والتنافس والأهداف غير المتناغمة بين الدول المنضوية تحته.
وفي روسيا أكد ميخائيل مارغيلوف ممثل الرئيس الروسي الخاص للتعاون مع دول إفريقيا أن فشل سياسة الولايات المتحدة تجاه دول منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا أدى إلى تزايد الإرهاب في هذه المنطقة.
وانتقد مارغيلوف، الذي يترأس أيضاً لجنة مجلس الاتحاد للشؤون الدولية خلال اجتماع اللجنة تحت عنوان “الوضع في الشرق الأوسط الكبير في المرحلة الحديثة.. التهديدات والتحديات”، السياسة الأمريكية، وكذلك قيام الولايات المتحدة بوقف التعاون مع روسيا في مجال مكافحة الإرهاب بسهولة مدهشة في وقت تتعاظم فيه التهديدات الإرهابية، معتبراً أن ذلك سيزيد من خطر الإرهاب، وقال: إن التغيّر السريع الواضح في المنطقة يستدعي توحيد المجتمع الدولي لمحاربة الإرهاب، داعياً منظمات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لمضاعفة جهودها لجمع وتوفير المعلومات الشاملة حول الجرائم التي يرتكبها الإرهابيون، كما دعا لجنة التحقيق الدولية إلى إعداد تقرير مستقل حول انتهاكات تنظيم داعش الإرهابي وغيره من التنظيمات الإرهابية الأخرى في سورية، بينها جبهة النصرة والجبهة الإسلامية.
وحذّر رئيس مجلس الدوما الروسي سيرغي ناريشكين، في وقت سابق، من أن سياسة الاستهتار وانعدام المسؤولية التي تمارسها الولايات المتحدة والبلدان السائرة في ركابها تدفع العالم نحو “حرب باردة جديدة”.
ممثل روسيا الدائم لدى مقر الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف ألكسي بورودافكين أكد أن الأحداث أثبتت الآن وأكثر من أي وقت مضى أن أنشطة التنظيمات الإرهابية تشكل الخطر الحقيقي الأكبر الذي يتهدد سورية والمنطقة بأكملها، وقال خلال جلسة لمجلس حقوق الإنسان في إطار دورته العادية الـ 27: إن امتداد الإرهاب في سورية كان من الممكن تفاديه لو أن الغرب تجاوب مع التحذيرات الروسية، مبيناً أن روسيا اقترحت منذ بداية تطور الأوضاع في سورية حشد جهود المجتمع الدولي والحكومة السورية و”المعارضة المعتدلة” لتطويق ومحاصرة الجهاديين، مشيراً إلى أنه لو تمّ الاستماع إلى الآراء الروسية لتمّ منع انتشار هذا الورم الخبيث.
ولفت إلى أنه لا بد من الاعتراف بأن أسوأ السيناريوهات يتحقق الآن، حيث إن تنظيم داعش تمدد بشكل كبير، وهو يرتكب جرائم بشعة، إضافة إلى أعمال العنف الوحشية التي ترتكبها التنظيمات الإرهابية الأخرى، وأشار إلى أن لجنة التحقيق الدولية المعنية بتقصي أوضاع حقوق الإنسان في سورية أقرت في تقاريرها بأن الحكومة السورية تقاتل ضد جيش من الإرهابيين المدربين والمسلحين جيداً، كما بيّنت أن المجموعات المسلحة، التي تصنّف بالمعتدلة، باتت تنسق أنشطتها وبشكل وثيق مع التنظيمات الإرهابية، وأضاف: إن هؤلاء المتطرفين، وبتأكيد تقرير اللجنة، ينفذون عقوبات قاسية بحق المدنيين، ويمارسون التعذيب والعنف الجنسي، ويجنّدون الأطفال ويفجرون السيارات المفخخة، مؤكداً أن روسيا تدين بشدة هذه الوحشية، وترحّب بتوصية اللجنة لاستئناف العملية السياسية في سورية، وهي مستعدة لتقديم مساهمتها في هذا الصدد.
كما لفت بورودافكين إلى أن مسودة القرار الجديدة لمجلس حقوق الإنسان حول سورية لا تتضمن أي كلمة لدعم الجهود الرامية لتسوية الأزمة عن طريق المحادثات.