كل المتطلبات الإدارية والفنية والجدوى الاقتصادية متوفرة حـاجـات وإمكـانات وزاريــة تـؤسس لفرصــة تــمويل ذاتيــة
مع بداية كل عام تتدافع الأسر للشكوى من تعدد وغلاء المستلزمات المدرسية، خاصة الأسر التي لديها العديد من الطلاب، وينبري الكثير من الإعلاميين للكتابة عن ذلك، والجميع يُلقون باللائِمة على التجار، وعلى الرقابة التموينية، ويغفلون أهمية دور وزارة التربية، ودور المستهلكين الذين يتبارون في استهلاك هذه المواد، فكثيرون يلاحظون تقارُب كبير بين مقتنيات أولاد الأسر الفقيرة ومقتنيات أولاد الأسر الميسورة والغنية، ويتجلى ذلك عندما يشتري صاحب الدخل المتدني حقيبة مدرسية لولده من نوعية حقيبة ابن صاحب الدخل المرتفع، من منطلق لا أريد لولدي أن يجد نفسه مستضعفاً أمام زميله.
واقع الحال يُظْهر أن تعدد وتنوُّع المستلزمات يدفع باتجاه المزيد من الاستهلاك، ما يستوجب أن يعمل إداريو المدارس وأساتذتها، على التخفيف من كمية – والحدّ من نوعية – الكثير من المستلزمات، على أن يكون ذلك مبرْمجاً ومتقيّداً به في جميع المدارس، اعتماداً على تشريع يصدُر عن وزارة التربية، يُلزِم جميع المدرّسين والطلاب الالتزام بنماذج موحدة، وهذا الأمر سهلٌ ومضمون التحقيق، عندما تعمل وزارة التربية على اعتماد نوعية معينة موحّدة المواصفات لجميع مستلزمات الطالب المدرسي، في كل مرحلة وكل صف على غرار الكتاب المدرسي الموحّد- المُلزِم والمُلتزَم به – الصادر عن وزارة التربية.
إن إمكانية تحقيق ذلك تكون أكثر حصولاً، عندما تكون وزارة التربية هي المنتج الرئيس – أو الوحيد ما أمكن ذلك – لهذه المستلزمات، خاصة أن مقوّمات الإنتاج موجودة لدى وزارة التربية، عبر العديد من المؤسسات والمعدات الموجودة لديها، والتي يمكنها تحديثها وتطويرها، وعلى رأسها المؤسسة العامة للكتب والمطبوعات المدرسية.
والسؤال لماذا يغيب عن وزارة التربية إمكانية استثمار المعاهد والثانويات الصناعية والفنية المنتشرة في جميع المحافظات، علماً أن كلها تمتلك الكثير من المعدات والتجهيزات؟ في حين إن بالإمكان أن تكون جميعها ورشات عمل تنتج مستلزمات الطلاب والأثاث المدرسي، ومن المؤكد أنه سينجم عن ذلك تحقيق ربح صافٍ يؤمّن التمويل الذاتي لكثير من نفقات وزارة التربية، خاصة أن التمويل الذاتي للإدارات حاجة ضرورية جداً، وهو نهج مطروح ومطلوب اعتماده في السياسة الاقتصادية للحكومة منذ سنوات، ولكن المؤسف أن معظم الإدارات لم تعمل بذلك حتى الآن تحت حجج واهية.
واقع الحال يُظهِر أن وزارة التربية هي الجهة الإدارية الأكثر إمكانات وقدرة على تحقيق كثير من التمويل الذاتي، عبر إنتاج الكثير من مستلزماتها، الأكثر حاجة لها، بل عليها – ويمكنها – أن تتولى إنتاج حاجة مستلزمات وزارة التعليم العالي، التي يمكن لكثير من طلاب هذه الوزارة أن يشكلوا الأيدي العاملة الماهرة لمنشآت وزارة التربية، ما يساعد هؤلاء الطلاب على تأمين العديد من نفقات دراستهم الجامعية، ويؤهلهم لدخول ميدان العمل، وفي هذه الحالة يجب أن يكون مأخوذ في الحسبان أنه على منشآت وزارة التربية أن تنتج المستلزمات المتميّزة بتأدية الخدمة والمنفعة المطلوبتين، وبالجودة العالية والسعر المنخفض، الذي يحقق ربحاً قليلاً لمنشآت الوزارة عن كل وحدة إنتاج، ولكنه يحقق ربحاً كبيراً عن كميات الإنتاج الكبيرة التي تنتجها، ويضمن حصول الطلاب على مستلزماتهم بأقل كلفة، ويخفف الغبن الكبير الذي كان يلحق بهم نتيجة تحكّم منتجي وتجار القطاع الخاص، وتتدعّم ثقة الطلاب وذويهم بالوزارة، التي تؤمن لهم الكتاب المدرسي، ما كان منه مجاناً أو بسعر منخفض.
حال اعتمدت الوزارة ذلك، يتوجّب أن يتسلّم الطالب المستلزمات الموحّدة من مدرسته (الكتب المدرسية المقررة + حقيبة مدرسية من نوع بسيط لكل صف + مجمل الدفاتر المقرّرة لكل صف عن طريق مدرسته)، على أن يدفع السعر الإجمالي المحدّد لإدارة المدرسة، وأن يتم ذلك خلال الأسبوع الأول من العام – الأسبوع الإداري – وأيضاً من الأفضل أن يتم إنتاج البدلات المدرسية في منشآت تعود لوزارة التربية، أو في منشأة سندس على أن يتم تسويقها مع بقية القرطاسية، عبر منافذ مراكز بيع المستهلك، وتجار معتمدين لهذه الغاية وبسعر معلن تحدّده وزارة التربية وبأقل ربح ممكن، أي بما يقل كثيراً عن سعر إنتاج القطاع الخاص.
وفي حال اعتمدت وزارة التربية هذا الاقتراح، عليها أن تُعلِن ذلك قبل عام من تطبيقه، بغية اجتناب تكدّس الإنتاج السابق لدى المنتجين والتجار، الذين عليهم أن يتوقّفوا عن الإنتاج والتسويق فيما بينهم إثر علمهم بذلك، منعاً لحدوث أية أضرار أو خسائر قد تلحق بهم، وكم تكون وزارة التربية هي القدوة الحسنة في الحرص على تحقيق التمويل الذاتي، وأن تتعلم منها بقية الوزارات ذلك.
عبد اللطيف عباس شعبان
جمعية العلوم الاقتصادية السورية