ثقافة

اللغة العربية في فلسطين: الوجه الآخر للمعركة

د.فؤاد بوعلي
في الوقت الذي تدك طائرات الكيان الصهيوني ودباباته المنازل والمستشفيات والمؤسسات، وتقتل الأطفال والنساء وتشرد المئات بل الآلاف، وتنتصر المقاومة معلنة في الأخير نهاية أسطورة الجيش الذي لا يقهر، تعيش الهوية العربية للأراضي الفلسطينية امتحاناً آخر ووجهاً آخر للمعركة الكبرى: معركة الوجود والانتماء محورها الإجهاز على اللغة العربية والقضاء عليها مادامت كانت وستظل عنواناً للانتماء للأمة والتاريخ، فقد قدمت مجموعة من أعضاء الكنيست المنتمين إلى فيلق اليمين في أحزاب «إسرائيل بيتنا» و«الليكود» و«البيت اليهودي» مشروع قرار إلى الكنيست يطالب بإلغاء اللغة العربية كلغة رسمية في إسرائيل ، ولايخرج القانون المقترح عن الإطار المألوف الذي يروم إنشاء دولة صهيونية انتماء وهوية وحدوداً، وهو استمرار لمسار طويل من القوانين التي عرضت على الكنيست الصهيوني في السنوات الأخيرة ومن ضمنها قانون المواطنة وقانون النكبة وقانون الولاء، إضافة إلى القانون الأساسي الذي يعتبر إسرائيل دولة الشعب اليهودي «فبعد عقود من تهجير المواطنين الفلسطينيين من أراضيهم تقوم إسرائيل حالياً بتهجيرهم من ثقافتهم، وبضمنها اللغة والهوية والإحساس بالانتماء” كما تقول إحدى الناشطات وقد قال البرماني مسعود غنايم: إن «جعل اللغة العبرية اللغة الرسمية الوحيدة ومحو اللغة العربية من كل المكاتبات الرسمية ومن المشهد العام هو حلم كل يميني متطرف ، وهو رغبة كل فاشي ».
عدد من «المتصهينين» يقدمون اعتراف الكيان الغاصب بالعربية لغة رسمية ثانية للدلالة على ديمقراطيته، والواقع أن الاعتراف باللغة العربية لغة رسمية في إسرائيل أتى بموجب «مرسوم ملكي» انتدابي بريطاني يسري حتى يومنا هذا، وبحسب القانون تقع على الحكومة مسؤولية عامة لنشر جميع الأوامر والإعلانات الرسمية والاستمارات الرسمية بالعبرية والعربية، ويحق للفرد التوجه للسلطات الرسمية والوزارات مستخدماً اللغة العبرية أو العربية، وتقع على السلطات المحلية مسؤولية نشر جميع إعلاناتها المحلية باللغتين، وعلى أرض الواقع فإن احترام هذه التعليمات محدود للغاية، حيث تنشر قوانين الدولة والأحكام باللغتين، لكن الإعلانات الرسمية التي تصدرها الحكومة تنشر غالبيتها بالعبرية، وحتى فترة قريبة كانت غالبية اللافتات في الشوارع بالعبرية فقط في جميع هذه الأحكام، لم يستند المشرع للمرسوم الملكي على الرغم من سريان هذا القانون في دولة الكيان الصهيوني بل اعتمد على الاعتراف بحق الفرد في حرية التعبير، وبمعنى آخر فالذي يحكم منطق الاعتراف هو الحق الفردي في التعامل باللغة وليس القانون المؤسس للكيان، وبهذا تفسر الأحكام التي تصدر ملزمة للسلطات احترام حق العرب باعتبارهم أقلية باستخدام لغتها، بخصوص الحق في نشر الإعلانات بالعربية، والتوجه للسلطات باللغة العربية، والكتابة بالعربية على بطاقة التصويت للانتخابات، وإضافة العربية على لافتات الشوارع الرئيسية وفي المدن التي تسكن فيها أقلية عربية كبيرة والمزيد.
فتحت عنوان المساهمة في التماسك الاجتماعي لدولة إسرائيل وبناء الهوية الجماعية الضرورية لتعزيز الثقة المتبادلة في المجتمع والحفاظ على قيم الديمقراطية قدمت مسودة قانون اللغة الرسمية الوحيدة، لكنها تضمر واقعاً بدأ يتبلور هو الانتقال بالكيان الصهيوني من شعارات الحقوق والديمقراطية إلى دولة هوية مغلقة على اليهود وبذلك تتساقط العناوين الزائفة التي ألصقت به وحاولت تقديمه على أنه دولة عادية كباقي دول العالم لها شخصيتها المعنوية ونظامها المؤسساتي، بل دولة ديمقراطية في محيط غير ديمقراطي، لكن الواقع الحالي يثبت أنها مؤسسة حربية وظيفتها اقتلاع أبناء فلسطين من أرضهم ووجودهم وكيانهم، والتوقيت جزء من محاولة الفهم، فاستغلال أجواء العدوان على غزة وما يعتمل داخل نفوس الصهاينة من أجل فرض هوية واحدة لافظة لكل تعددية هوياتية ينهي حلم البعض في الاندماج داخل هذا الكيان، فكل المقررات الحقوقية وبيانات المساندين تبرز العرب كأقلية قومية، لذا كان موقف الحزب المعارض “حزب العمل” إن اعتبار اللغة العربية كلغة رسمية في الدولة يعبر عن احترام الدولة للأقلية العربية في البلاد وإن المساس بهذه المكانة يعتبر انتقاصاً لديمقراطيتها، ومن هذا المنطلق يدافع عن حقهم في التعبير والعيش وليس باعتبارهم أصحاب الأرض الشرعيين، وتندرج في هذا الإطار المشاريع التي يتقدم بها النواب العرب مثل القانون الذي سيقدمه أحمد الطيبي رئيس كتلة القائمة الموحدة والعربية للتغيير مضمونه الاعتراف بالمواطنين العرب كأقلية قومية يشمل كامل الحقوق السياسية والمدنية ما سيساهم حسب المشروع في حصول المواطنين العرب على مساواة كاملة بناء على من تنص عليه المعاهدات الدولية.
لذا فالحرب الأخيرة على الهوية العربية تؤكد لمن يساوره الشك في طبيعة الصهيونية القائمة على القتل الجماعي والقضاء على هوية الشعوب وسلخهم من جذورهم وانتمائهم، وليس استخدام منطق الحق الفردي في المجابهة بمغن عن المواجهة الوجودية الحقيقية التي تؤمن بعدالة القضية الفلسطينية وزوال الكيان الغاصب، وإن غداً لناظره قريب.