ثقافة

باسم سليمان يبحث في “نوكيا” عن الوجود في القرن الواحد والعشرين

“نوكيا” عنوان رواية سورية قصيرة لكاتبها باسم سليمان، حملت بين طياتها مواضيع اجتماعية وأفكاراً فلسفية استخدم فيها اللغة السردية البسيطة القريبة من الواقع معتمداً عليها في التنقل بأحداث الرواية بخفة متناهية بعيداً عن الحشو وكثرة التفاصيل. تعرض الرواية ومن خلال شخصياتها الثلاث عدة مواضيع اجتماعية أبرزها البحث عن حقيقة الوجود في تحقيق الذات، تدور أحداث الرواية في مدينة طرطوس السورية وفي فترة زمنية قريبة من عصرنا. “باسم” و”محمود” و”داني” الأصدقاء الذين جمعتهم الطفولة فلا صداقة حقيقية كما يرى “باسم” إلا صداقة الطفولة: “فالصداقة الحقيقية هي نتاج علاقات الطفولة، وليس صنيعة زمن، فالصديق صديق الطفولة، وماعدا ذلك سيكون صديق مصالح وتوافقات.” شخصية “باسم” الدارسة للفلسفة المنشغلة بهواجسها والبحث عن عمل يحقق وجودها في الحياة تتبدى في قول الكاتب: “داني  يحلم بالهجرة، أوراق الهجرة أودعها في السفارة الكندية، مضى عليها سنة كاملة أما أنا فلا أعرف هجرة، ولا تجذراً كمحمود”.
يعرض الكاتب في الفصل مشكلة الكبت الجنسي ونتائجه من خلال الصراع الدائر بين الشخصيات الثلاث المختلفين من حيث الدين والعادات فينهون المشكلة في بيت “عاهرة” اختاروها لتفصل فيما بينهم, لكنهم لا يتجاوزون المشكلة فتأتي هذه العبارة لتكشط طلاء الخوف: “كيف نفكر باللاشيء ونحن في بيت عاهرة، هل احتفظنا بعذرية الأفكار لما بعد لنجترها كفحول تحت أغطيتنا ونتأوه؟!” كذلك العلاقة الجنسية  التي يقيمها “باسم” مع “لمياء”عبر الهاتف والرسائل الإلكترونية ما هي إلا نتيجة لذات الكبت. وهنا نرى باسم سليمان قد استخدم المفردات التكنولوجية ليدمج القارئ في واقعه الذي يعيشه:  “أجري اتصالاً “بالإنترنت”، يفرقع صوت الـ “dialup”، يتم التأكد من اسم المستخدم  وكلمة السر، ثم تنفرج الشاشة عن صفحة كبير المحركات “Google”، أفتح  “الهوت ميل”، لربما لمياء قد تركت رسالة ما، ثلاث رسائل في علبة الوارد”
حاول الروائي سليمان ومن خلال شخصية باسم الدارسة للفلسفة تقديم عدة رؤى في مواضيع مثل الأنثى والوجود. “الفضاء لا يعلوني إنه يحيط  بي، فهو ليس سماء، الفضاء حرية تطير فيها وامتلاك للجهات، في حين أن السماء سلطة، والسلطة لا يمكن أن تطير فيها، بل عليك اغتصابها، لكن هل أبحث عن سلطة أم حرية، وكيف تتحرر دون سلطة، لا ريب أن الغبار قادر على هذا الخيار، من منا له القدرة على منعه من التراكم، إنه أثر الفناء!؟” وتأتي الأنثى في عبارات شعرية لتقدم وجه الشاعر عند الروائي فتكون الأنثى أحد أشكال وجود الرجل: “تصنع الأنثى للرجل باباً، وقتها يصبح للطرق على الباب معنى آخر”.
كما أنه يقدم أسئلة فلسفية مجيباً عليها بأسلوبه السردي الشارح بطريقة المعلم: “ستسألون ما الخطيئة!؟ الخطيئة هي الإحساس بالنقصان..فالكمال هو التأقلم التام مع المكان والزمان الذي تعيش فيه”. تتماهى الشخصيات فيما بينها لتكون في المحصلة شخصية واحدة بأوجه متعددة وهنا يظهر “محمود” الشخصية المؤثرة في باسم الذي يستقر ويدرك وجوده بعد وفاة محمود.
“محمود” الروائي المحتجب وراء بسطة الثياب يطالع ويقرأ كاللص من خلفها خشية سخرية الوسط المحيط به, فهو لم يكمل دراسته بل اتجه نحو العمل دون الابتعاد عن القراءة وتثقيف نفسه.  يقدم محمود حالة من حالات الشباب الباحثين عن ذواتهم بعصامية مطلقة لكنه من جهة أخرى يطرح موضوع الهجرة اللاشرعية بعد أن تعرض لمحاكمة فيقضي أجله غرقاً كما حمل عنوان الفصل الرابع “الغرق”، يتميز محمود عن باقي أصدقائه  بتجذره وثقته المطلقة بذاته في تحقيق ما يريد حتى دأبه لنشر روايته بعد أن ضاعت تحت أنقاض كشكه، يحاول محمود الفرار من مدينته طرطوس تاركاً لـ”باسم” غرفته وبعض ماله وخطيبته الحامل لكن البحر يتلقفه غامراً حلمه بالعودة إلى الوطن للأبد.
“داني” دارس التاريخ الساعي للهجرة ينتظر الفرصة لتأتيه، هذه الفرصة التي تأتي بعد وفاة والده وسفر محمود ليبقى باسم وحيداً مع علياء الحامل من محمود حبيبها السابق, فتأتي خاتمة الرواية بقصة قصيرة واردة في ملحق جريدة الثورة الثقافي باسم الكاتب باسم سليمان نفسه بعنوان “عائلة سعيدة جداً”  فتبدو الخاتمة أشبه بالدمية الروسية ماتريوشكا مبينة قدرة الكاتب على دمج جنسين أدبيين في كتاب واحد.
“نوكيا” رواية صادرة عن دار ليليت المصرية ودار أرواد السورية 2014 للكاتب باسم سليمان، تقع في 112 صفحة من القطع المتوسط.

خضر مجر