نقطة ساخنة “التنمية الإدارية” وسحق “السلطوية”؟
المؤشرات الأولية لأداء بعض الوزراء تدعو إلى الحذر في إطلاق التقييمات الإيجابية، فما إن استلموا حقائبهم الوزارية، وهمّوا بممارسة مسؤولياتهم التي من المفترض أن تكون استثنائية لمرحلة استثنائية، حتى سارعوا –وللأسف– إلى إثبات ذاتهم بطريقة غير مؤسساتية، والتعامل مع مرؤوسيهم بطريقة بعيدة عن المنطق الإداري والمهني الرسمي.
سنسرد في هذه العجالة حالتين ندلّ من خلالهما على غياب النهج الإداري والتوصيف الوظيفي في معظم وزاراتنا ومؤسساتنا، وما نتج عنه من خلل إداري طالما عانت منه وزاراتنا ومؤسساتنا، ليصبح داءً مزمناً، وعاملاً من عوامل الترهّل الإداري، وبالتالي يشكل سبباً مباشراً أو غير مباشر من أسباب الفساد.
وفي تفاصيل الحالة الأولى أقبل أحد الوزراء خلال الأيام الأولى من مباشرته أعماله على إعفاء أحد مرؤوسيه من المديرين المركزيين من منصبه واضعاً إياه تحت تصرفه حتى إشعار آخر، بعيداً عن تبني رأي المدير المعفى (أن قرار الإعفاء جاء بناءً على موقف شخصي سابق)، إلا أن الوزير لم يوضح بالقرار أي سبب واضح أو تبرير يذكر، ولاسيما أن المدير لم يمضِ على تعيينه سوى عدة أشهر، من الوزير السابق، وبالتالي من الصعب تقييم أدائه والحكم على استمراره من عدمه!.
وتفيد الحالة الثانية بمسارعة وزير آخر لإصدار قرار بنقل عدد من موظفي إدارته المركزية إلى المديريات الفرعية، ولدى اعتراض هؤلاء الموظفين على القرار، لم يتوانَ عن قبول اعتراضهم، طالباً منهم عدم تنفيذ القرار والاستمرار بعملهم، دون أن يصدر قراراً آخر يلغي الأول!، وما يمكن استنباطه من هذه الحالة أن الوزير لم يكن على قناعة تامة بقراره من جهة، ويعتبر أن التراجع عنه بآخر يشكل إحراجاً له أمام مرؤوسيه من جهة ثانية!.
ما سبق يبيّن مدى حاجة مؤسساتنا الحكومية إلى وزارة التنمية الإدارية المحدثة، لضبط حركة الأداء الإداري، ورفده بالكوادر الكفيلة برفع المستوى وانعكاسها بالمحصلة على الإنتاج سواء الاقتصادي منه أم الخدمي، والأهم من هذا وذاك سحق ما بات يعرف بـ”السلطوية” غير المبررة.
الأنظار متجهة حالياً إلى الدور الذي ستضطلع به التنمية الإدارية –وفق ما ورد في مرسوم إحداثها- من تنظيم وتطوير أداء الإدارة والوظيفة العامة، وتحسين خدماتها للمواطنين ومكافحة الفساد الإداري، من خلال تحديث القوانين والتشريعات الناظمة والتطوير المؤسساتي وتأهيل الكوادر البشرية واستخدام تقانات المعلومات.
ومع إقرارنا بأن المهمة ليست بالسهلة، إلا أن ما ينعش آمال نجاح هذه الوزارة الوليدة بمهمتها هو امتلاك وزيرها الخبرة الكافية كوزير سابق بهذا الشأن، وعدم انقطاعه عن سلك التدريب والتدريس الإداري، ولقادمات الأيام الحُكم.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com