عقلنة الدّعم واشتراطات فلاحه..
عقلنة الدعم، ولأن هذه العقلنة منطلقها العقل المستند إلى متغيرات الواقع اللحظية بما فيه من معادلات توازن صعبة بين المتاح والممكن من الإمكانات التي نكاد نجزم أن لا أحد يختلف حولها، فإن العقلنة تعتبر ضرورة اقتصادية ومجتمعية حياتية تقتضيها المتطلبات المستمرة لعملية التنمية، وخاصة في ظل الحرب الإرهابية علينا، وغير المسبوقة في قساوة آثارها القصيرة والمتوسطة والطويلة الأمد.
دعم وفق هذه الصيغة، كي ينجح لا بدّ من توافر اشتراطات خمسة: تشريع صارم، وتخطيط واضح، وتنفيذ نزيه، ورقابة فاعلة، ثم محاسبة شفافة، معيارها النتائج الملموسة لا النيات الطيبة المشكورة..
الحكومة أعلنت موضحة أن عقلنتها للدعم مردّها تلبية متطلبات المرحلة الراهنة، وترشيد الكتلة الإنفاقية التي كانت ترصد للدعم الاجتماعي المقدّم للمواطنين، ومع ذلك أكدت أن موازنة العام القادم ستتضمن زيادة بنحو 32 مليار ليرة عن موازنة العام الحالي ستخصص لدعم الدعم، مبيّنة أن هذا وغيره يتطلب الحكمة في إنفاق هذا المبلغ.
والسؤال: هل تكفي الحكمة والمخطط من العقلنة في إيصال الدعم لمستحقيه، الجواب بالطبع لا، لأن ذلك يحتاج إلى آليات عملانية تتمثل بالأذرع التنفيذية الكفؤة القادرة على ترجمة عقلنة الدعم على أرض الواقع، وهذا هو الرهان الصعب الذي طالما كان التحدي للغطاس في اختبار الماء..
وهنا نعود لنؤكد ونأمل ونذكّر حكومتنا –من منطلق الغيرية على نجاحها فيما همّت به- لكونها السلطة التنفيذية التي تمتلك الأذرع الطويلة والقصيرة لتطبيق عقلنتها، نذكّرها بالآنف من الاشتراطات الخمسة.
وباعتقادنا أن في تطبيق تلك الاشتراطات بالشكل والمضمون الأمثلين، من شأنه إحداث توازن بين المتوقع من نتائج إيجابية لعقلنة الدعم، والزيادات الأخيرة على أسعار عدد من المواد والسلع و الخدمات، وخاصة أن الحكومة أكدت أن معظم الزيادات الأخيرة التي طالت مادتي المازوت والخبز وحوامل الطاقة والاتصالات والمياه، لم تستهدف ذوي الدخل المحدود، وفوق ذلك طمأنتنا مشكورة أن لا نية لها بالتخلي عن الدعم وإنما فقط عقلنته، لتحقيق التوازن بين متطلبات صمود دولتنا واحتياجات المواطنين.
تأكيد ومسعى كلّنا يجب أن نكون خلفه وندعمه، ونشير بالبنان والبيان الصريح إلى كل من يحاول إفشال خيار العقلنة، ويجهد في تحويل الدعم إلى وسائل لتحقيق غايات إثرائية فردية غير مشروعة، بدل أن يكون هدفاً سامياً لأنه موجّه لأصحاب الدخل المحدود والمحتاجين فعلاً لا نصباً أو كسراً.
على كل منا أن يعي ويدرك أن الكتلة النقدية المتوقع تحصيلها من الزيادات الأخيرة، ستصبّ أولاً وأخيراً في تمكين نفقات الدعم من أن تصل إلى مستحقيها، علماً أن الزيادات الأخيرة شملت في آثارها وتداعياتها المالية –على عكس ما يقال– أصحاب الدخل المحدود.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com
23