نقطة ساخنة فجوة استهلاكية
يلاحظ المتتبع لأحوال المستهلكين خلال فترة العيد أن ثقافة الاستهلاك في مجتمعنا لا تزال مرتبطة بالعادات والتقاليد أو بالحاجة اليومية، وخاصة في مثل هذه المناسبات، دون الأخذ بعين الاعتبار مدى مطابقة السلعة للمواصفة أو على الأقل الانتباه إلى بطاقة البيان المرفقة مع السلعة لمعرفة مكوّناتها وحيثياتها.
وفي أحسن الأحوال يكتفي المستهلك بالاطلاع على تاريخ الإنتاج وانتهاء الصلاحية، ما يعني أن المواطن لايزال لا يعي حقوقه تجاه ما يشتري ويقتني من سلع ومواد، مسنداً هذه المهمّة إلى الجهات الرقابية المفترض أن تقوم بحمايته، ما أدى في نهاية المطاف إلى استغلال هذا الوضع من قبل بعض التّجار والصناعيين لزجّ منتجاتهم بأسعار ربما تكون منافسة، لكنها للأسف على حساب الجودة والنوعية، ولاسيما أن المستهلك بات أمام ضغط نفقات مستلزمات العيد يبحث عن السعر الأدنى.
يحمّل البعض جمعيات حماية المستهلك مسؤولية التقصير في القيام بدورها التثقيفي تجاه المستهلك، وعدم جديتها بدعوات المقاطعة واقتصارها على مقاطعة السلع والمواد عند ارتفاع أسعارها فقط، دون تحفيز المستهلك على مراقبة الجودة والنوعية ومقاطعتها عند اختلال هذه المعادلة.
في المقابل يرى البعض الآخر أن للعولمة دوراً كبيراً في التأثير على العادات الاستهلاكية، معتبرين أن التقليد الأعمى هو سيد الموقف في هذه الحالة، علماً أن مجتمعنا يمكن أن يخطّ لنفسه نهجاً استهلاكياً –إن صح التعبير– يتناسب مع ثقافته وتراثه، وعلى كافة الشركات الإنتاجية المحلية أن تقوم بدراسة السوق المحلية لمعرفة احتياجاتها كخطوة استباقية لضخ المنتجات المناسبة المنافسة من جهة السعر والجودة في الوقت ذاته.
ما سبق يستدعي ضرورة إحداث دائرة دراسات وأبحاث في كل الشركات الإنتاجية العامة والخاصة، بغية إعداد دراسات تطويرية لمنتجاتها وتغيير مواصفاتها من ناحية الشكل واللون بين الفينة والأخرى، بحيث تنمي وعي المستهلك إزاء النوعية وتلبي رغباته، والمواظبة بشكل مستمر على دراسة السوق لمعرفة أذواق المستهلكين والزبائن المحتملين، وقياس أطوار السلع والمنتجات وانسيابها في السوق حسب الاستهلاك.
الفجوة لاتزال بين المستهلك والمنتج واضحة.. ومعنى ذلك أن المستهلك سيبقى رهن واقع السوق غير المرضي والذي يزداد تردِّياً مع الصور القاتمة للواقع الحالي الذي تنبئ مؤشراته بازدياد في معدلات الفقر والبطالة بين أوساط شريحة واسعة من الشباب والبطالة المقنعة وغيرها من الصور التي تستدعي (عمليات جراحية) لا إبراً مخدرة، فكيف لمواد تفتقر إلى أدنى مستويات الجودة ولو بسعر زهيد أن تقود السوق إلى تحقيق الرضى الاستهلاكي والربحية المأمولة لدى البائعين الذين ببضائعهم المتواضعة لا يرتقون إلى مستوى المسؤولية عما يروّجون؟، بينما المسؤولية الاجتماعية تعدّ العمود الفقري لتوجه اقتصادنا الوطني.. وكل عام وأنتم بخير.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com